أكد المستشار د.مال الله الحمادي أهمية التعديلات الدستورية التي اقترحها حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى في تعزيز مسيرة التطور والإصلاح في مملكة البحرين منذ تولي جلالته لمقاليد الحكم في العام 1999 وما لحقه من تدشين لمشروع جلالته الإصلاح الريادي.

وأوضح أستاذ القانون العام المساعد في الجامعة الملكية للبنات المدير السابق لإدارة التشريع والجريدة الرسمية في هيئة التشريع والإفتاء القانوني أن مقترح التعديل الدستوري الثالث الذي تقدم به جلالة الملك يتضمن العديد من المؤشرات التي ينبغي الوقوف عندها خاصة فيما يتعلق بتعزيز مظاهر الديمقراطية وتعزيز الإرادة الشعبية ومشاركة الشعب في صياغة وتعديل الوثيقة الأساسية المتمثلة في دستور مملكة البحرين.

وأشار إلى أن مقترح التعديلات الدستورية الأخيرة يعد ترجمة أكيدة على حرص جلالة الملك على إشراك الشعب في صنع القرار في مملكة البحرين، حيث إن التعديلات الدستورية الأولى على دستور مملكة البحرين الصادر في العام 1973 جاءت تنفيذاً للإرادة الشعبية التي أيدت بأغلبية ساحقة -من خلال التصويت على ميثاق العمل الوطني بنسبة 98.4%- مضي مملكة البحرين في طريق تعزيز المظاهر الديمقراطية.


وأضاف قائلاً "كما أن التعديل الدستوري الثاني الذي جاء أيضاً بناء على مقترح ملكي ساهم هو الآخر في زيادة مظاهر النظام البرلماني في نظام الحكم وإعادة تنظيم كل من مجلسي الشورى والنواب بما يعطي دوراً أكبر لمجلس النواب كونه المجلس المنتخب من قبل الشعب".

ولفت المستشار الدكتور الحمادي إلى أن جلالة الملك عزز من الطبيعية العقدية لدستور مملكة البحرين بالتعديلات الدستورية التي اقترحها بما يؤكد الإرادة المشتركة بين الملك من جانب والشعب من جانب آخر، موضحاً "أنه في التعديل الدستوري الأول في العام 2002 جاء بعد أن عهد الشعب لجلالة الملك من خلال الميثاق بإجراء تلك التعديلات وهو ما يمثل كما عبرت عنه المذكرة التفسيرية للتعديلات الدستورية في العام 2002 إلى أحدث الطرق الديمقراطية التي تسود العالم في الوقت الحاضر من خلال استفتاء الشعب على وثيقة تتضمن تلك المبادئ والأسس والأهداف وهو ما يتفق مع ما يقرره الدستور من أن الشعب هو صاحب السيادة ومصدر السلطات جميعاً".

وأضاف "ونظراً لوجود السلطة التشريعية في المقترحين التاليين لتعديل الدستور "المقترح الثاني في العام 2012 والمقترح الثالث في العام 2017" فإن جلالته والتزاماً بالآلية التي وضعها الدستور لتعديله أحال المقترحين إلى السلطة التشريعية ممثلة في مجلسي الشورى والنواب، حيث إن الإرادة الشعبية ممثلة في مجلس النواب المنتخب حاضرة لتبدي رأيها بكل ما لها من صلاحيات دستورية".

ونوه إلى أن التزام عاهل البلاد المفدى بالآلية المحددة في الدستور لإجراء التعديلات الدستورية المقترحة تعزز من المشاركة الشعبية وتجسد المشاركة الحقيقية في صنع القرار وتؤكد أن الشعب هو صاحب السيادة وتعزز مبدأ سيادة القانون.

وفيما يتعلق بالتعديل الدستوري الثالث الذي ينظره مجلس الشورى هذه الأيام، بعد أن وافق عليه مجلس النواب، قال المستشار الدكتور مال الله الحمادي إن هذا التعديل يؤكد أيضاً مظاهر تعزيز الديمقراطية في مملكة البحرين من عدة جوانب.

وأضاف قائلاً "فمن ناحية أولى أكد التعديل على أن تكون أداة القانون هي الأداة التي تنظم القضاء العسكري في مملكة البحرين، فإنه كما هو معلوم أن عملية تشريعات القوانين اختصاص أصيل تمارسه السلطة التشريعية في مملكة البحرين عبر نظام المجلسين وخصوصاً مع وجود مجلس النواب الذي أتى عبر الإرادة الشعبية باختيار الناخبين في مملكة البحرين لممثليهم".

وتابع قائلاً "ما يعني أن الإرادة الشعبية ممثلة في مجلس النواب ستنظر الموضوع مرتين؛ مرة بشأن التعديل الدستوري المعروض ومرة أخرى عندما يصلها مشروع القانون بشأن تنظيم القضاء العسكري، وبالتالي فإن الإرادة الشعبية ستظل موجودة في الحالتين، فإذا ما وافق المجلس على التعديلات الدستورية ومن ثم مشروع القانون فإن هذا الأمر يعني توافق إرادة الملك مع إرادة الشعب ومشاركته، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى يجب ألا نغفل دور المختصين وأصحاب الخبرة في مجلس الشورى الذين هم كذلك لهم من الحكمة والحنكة والتجارب العملية الطويلة ما سوف يسهم في تعزيز المشاركة الحقة في تمحيص وتدقيق تلك التعديلات ومن ثم مشروع القانون".

وأكد أنه حتى في حال ممارسة السلطة التنفيذية لاختصاصها الاستثنائي في التشريع في مملكة البحرين وفقاً لنظام الفصل المرن بين السلطات الثلاث، فإن الإرادة الشعبية أيضاً موجودة من خلال حق السلطة التشريعية في الموافقة أو الرفض بما يؤكد أن الإرادة الشعبية في نهاية المطاف هي من ستكون لها الكلمة العليا سواء في التعديل الدستوري أو في مشروع القانون بشأن تنظيم شؤون القضاء العسكري.

وأكد أن جعل أداة القانون هي التي تنظم القضاء العسكري يشكل عاملاً أساسياً هاماً نظراً لكون عملية تعديل القانون فيها من المرونة النسبية بما يتناسب مع طبيعة القضاء العسكري ومهامه وخاصة نتيجة لما تمر به منطقة الخليج العربي والمنطقة العربية ككل من أزمات وتداعيات متلاحقة تنذر بتهديد أمن المجتمع وكيانه، فضلاً عن تفشي ظاهرة الإرهاب المقيت وتشعب تنظيماته في المنطقة لزعزعة أمن واستقرار دول مجلس التعاون الخليجي بصورة عامة، فضلاً عن وقوع العديد من الحروب الإقليمية في المنطقة، خاصة أن قوة دفاع البحرين تشارك حالياً وتنفيذاً لواجبها الوطني والإقليمي في الحفاظ على أمن دول مجلس التعاون في العديد من المهام القتالية والعمليات العسكرية وقواتها بالفعل في حالة انتشار بشكل مستمر داخل وخارج المملكة.

وأضاف "كما أن طبيعة الجرائم الماسة بالجهات العسكرية تجعل من القضاء العسكري أكثر مرونة وسرعة في التعامل معها تحقيقاً ومحاكمة وفي أقصر وقت، وبما يحفظ للدولة أمنها وسلامتها واستقرارها".

وأشار إلى أن المتتبع لمسيرة المشروع الإصلاحي لحضرة صاحب الجلالة الملك حفظه الله يلحظ جلياً مدى التطور والتحديث الذي صاحب مشروع جلالته على مختلف المستويات. فما كان يصلح منذ خمسة عشر عاماً أصبح لا يتماشى حالياً مع ركب النمو المطرد في شتى المجالات، القانونية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأمنية.

وأكد أن التعديل الدستوري الثالث يأتي انطلاقاً من حرص جلالة الملك حفظه الله في الحفاظ على المكتسبات والثوابت الوطنية، وتعزيز وتقوية الروابط واللحمة الوطنية بين مختلف مكونات الشعب وديمومة العلاقة الودية الأخوية بينها، والحفاظ على أمن الوطن واستقراره، والحفاظ على ما تحقق من إنجازات عبر تاريخه القديم والحديث؛ وتأمين البيئة الاستثمارية السليمة وتقوية الاقتصاد الوطني وتنميته؛ فقد وجه جلالته بضرورة إجراء تعديل دستوري جديد بحيث يحيل الدستور إلى القانون مسألة تنظيم القضاء العسكري واختصاصاته في كل من قوة دفاع البحرين والحرس الوطني وقوات الأمن العام. وذلك لما لهذه الأجهزة العسكرية الحساسة من أهمية في الحفاظ على الأمن والسلم الأهليين وحماية الوطن والذود عن ترابه الغالي، ناهيك عما تمثله هذه الأجهزة الهامة من مكانة مرموقة في الدولة تزيدها هيبة وقوة وصلابة.

واختتم الدكتور الحمادي تصريحه قائلاً "ولا شك من أننا كشعب بحريني عشنا ومازلنا نعيش في جو من التواؤم والمحبة والألفة ونمارس حياتنا الطبيعية في جو آمن خالٍ من المشاكل والمشاحنات؛ لنؤيد كل خطوة تتخذها قيادتنا بالتوافق مع السلطة التشريعية "ممثلة الشعب" ووفق الأطر الدستورية المختلفة خاصة إذا ما كانت تلك الخطوة تمثل ضمانة لنا ولكل من يقيم على هذه الأرض الطيبة وللوطن بصفة عامة ضد من يريد العبث بأمن المجتمع أو بخيراته أو بالسلم الأهلي أو بأي من منتسبي قوة الدفاع أو قوات الأمن أو الحرس الوطني أو غيرهم ممن يسهرون على راحتنا ويبذلون الغالي والنفيس في سبيل صيانة المجتمع والحفاظ على مكتسباته".