دولة الكويت تتفرد في محبتنا لها، أذكر مدنها وشوارعها وأحياءها في السبعينات عندما كنت أزورها وأنا صغيرة، كانت بالنسبة لي بلد العجائب، فكل شيء فيها جميل، شعب راقٍ اجتماعي يعشق البحرين ولهجتها، برغم أني كنت ومازلت «اتنرفز» إذا أحد مزح على لهجتنا الجميلة. الكويت بلد الازدهار والعمران، ففي كل مرة أزورها أجدها متطورة، الحدائق والملاهي والمتاحف والتطور العمراني، البرامج التلفزيونية، المسلسلات والأغاني، ولا تحلو برامج رمضان من دون الدراما الكويتية، والأجمل كانت السهرة الخليجية المشتركة التي تبدع فيها الكويت كل مرة وتتحفنا بفكرة جديدة مع الثنائي الجميل، الفنانة القديرة سعاد عبدالله والفنان القدير عبدالحسين عبدالرضا، هكذا كانت الكويت في عيوني في السبعينات والثمانينات، سباقة في كل مجال وأولها في حرية الرأي والتعبير ورائدة في الثقافة والعلوم.

في 2 أغسطس من عام 1990، وقف كل تطور وكل بناء عندما استيقظ الشعب الكويتي في ذهول تام على صوت القنابل عندما غزا العراق الأراضي الكويتية، استيقظ العالم أجمع على خبر غزو من غير أي مقدمات توحي بأحقية هذا الهجوم البربري على دولة الكويت الحبيبة، صعقنا بالخبر من هول المصيبة.

من أصعب الأمور التي تمر على المرء هو أن ينام قرير العين مطمئناً ويصبح بلا وطن، خصوصاً دولة الكويت التي يحظى شعبها برفاهية ونمط راقٍ في الحياة تتمناها حتى الشعوب الأوروبية، فالوطن هو الحضن الحقيقي والسياج الآمن وهو الهواء والدواء والعشق الذي يزيد ولا ينقص أبداً.

التحرير كان حلم الكويتي والخليجي والعربي والعالم بأسره، انقطعت الأخبار حينها عن الأهل والأقارب في الكويت، زاد عدد الشهداء والجرحى والأسرى، فغزو الكويت فاجعة كبيرة ومؤلمة مازلنا نستذكر مرارتها، وتشهد كل بقعة من أرض الكويت الإجرام الجنوني الذي قام به النظام العراقي آنذاك، ولا يمكن أن يشعر أحد مرارة الألم والخوف إلا الكويتيون، ولا يمكن أن يصف معاناة ضيقة الصدر والحزن إلا من كان أحد أفراد عائلته شهيداً أو أسيراً، وأحسب بأن الشعب الكويتي أجمع يعتصر ألماً على الفقد الكبير، وكان هذا الغزو وما خلفه من دمار شامل هو الجرح الأعمق في قلوب الشعب الكويتي.

شريط غزو الكويت وتحريرها يمر أمامي ولم يغب أبداً، نشرات الأخبار وتتبع آخر المستجدات، عملية عاصفة الصحراء، الجيش الأمريكي وجيش درع الجزيرة، صوت صفارة الإنذار، المقاومة الكويتية، شهداء وأسرى وتعذيب، نهب وسرقات، حريق في آبار النفط، كل ذلك مازال في ركن مهم من ذاكرتنا.

بعد شهور من الغزو حلت «بشاير» التحرير وبزغ فجر الكويت العظيمة، فرحة تسبقها دموع، تحرير يكشف الخراب والدمار الذي خلفه الغزو العراقي، ناهيك عن الألغام المزروعة في كل مكان التي لم يسلم منها أحد، وكانت سجدة المغفور له بإذن الله الشيخ جابر الصباح رحمه الله وتقبيله لأرض الكويت، لحظة عظيمة كعظمة الشيخ جابر رحمه الله وأسكنه فسيح جناته، أيام ولحظات عصيبة مرت بها المنطقة ولكن وحدة الدول الخليجية وترابط شعوبها دليل على الأخوة الحقيقية في الشدة والرخاء.

ربما توقفت دولة الكويت في تلك الفترة عن العمران والمشاريع المميزة في البلاد، لكنها بدأت بعدها تعيد تطورها وأمجادها الخالدة. وها هي الكويت تعود من جديد لتبهرنا بما حققته في السنوات الأخيرة من تنمية واضحة في جميع المجالات، ولا نرضى إلا أن تكون الكويت في المقدمة، تتكاتف وتتعاضد مع شقيقاتها من دول مجلس التعاون الخليجي لنواجه العالم معاً ونمنع خطر العدو بأن يتغلغل في صفوفنا.

* كلمة من القلب:

غزو العراق لدولة الكويت كشف أموراً كثيرة، فإلى جانب التفاف دول مجلس التعاون الخليجي مع بعضها بعضاً، هناك من كان يلعب دوراً جاسوسياً من وراء الكواليس، فقد زرع النظام العراقي جواسيسه، فكسبوا ثقة المجتمع عندما وصلوا إلى مناصب مرموقة وشهرة عالية، تماماً كما حدث في البحرين في 2011، حيث سقطت أقنعة الكثيرين من عملاء إيران، التجربة المريرة تكون نتيجة دروس وعبر ويجب الاستفادة منها، وأخذ الحيطة والحذر يجعلك في بر الأمان، وهذا ما نتمنى من حكوماتنا في دول مجلس التعاون، بأن تأخذ الحيطة وتتعظ من التجارب السابقة فدولنا مستهدفة، وبات الخطر ومصدره واضحين لا يحتاجان إلى استرشاد، ولكن لنجعل من 1990 و2011 سنوات تنبهنا كل يوم حتى لا ننام في العسل ونصحو على أصوات القنابل والمدافع، حفظ الله دولنا الخليجية من كيد الماكرين.