يبدو جلياً لمن يتابع الشأن الإيراني أن «كعب أخيل» إيران يبرز في فساد النظام، و«كعب أخيل» رمز يوناني أسطوري إلى نقطة الضعف رغم ادعاء القوة الهائلة، وهو ما يؤدي تدريجياً إلى السقوط والانهيار. ويروى في الأساطير اليونانية أن «أخيل» أو «أخيلوس»، بطل اليونان وبطل ملحمة «طروادة» عندما كان صغيراً قامت أمه بتغطيسه في المياه الإلهية المقدسة التي يعتقد اليونانيون أنه من تلامسه تلك المياه فإنها تهبه الخلود، لكن المشكلة أن أمه حين قامت بتغطيسه كانت تمسك به من كعب قدمه، وهذا الكعب هو المنطقة الوحيدة التي لم تلامسها المياه، وظل جسد أخيل مقاوماً للطعنات لا يتأثر بشيء على الإطلاق، حتى اهتدى «باريس الطروادي» إلى نقطة ضعف «أخيل» وقام بإطلاق سهم على كعب قدمه فمات «أخيل»، ومن هنا صارت قصة «كعب أخيل» رمزاً لنقطة الضعف غير المرئية، والتي تؤدي إلى السقوط والانهيار ونهاية أوهام القوة.

وبين فترة وأخرى، يعلن في إيران عن اكتشاف ملفات فساد في جهاز من أجهزة الدولة أو في مؤسسة من مؤسساتها الحكومية، ويتحدث الإعلام عن مليارات ضائعة، بينما هناك مواطنون إيرانيون أحياء يسكنون القبور من شدة الفقر، وهو ما يدل على أن ظهور ملفات الفساد والاختلاسات لا يعد حرية للإعلام في إيران بقدر ما يبرز الصراع السياسي بين تيارات في الحكم هدفها التصعيد والتراشق وتشويه سمعة بعضهم بعضاً، قبل شهرين من انطلاق الانتخابات الرئاسية.

وربما هذا التفاوت الغريب بين فقراء يسكنون القبور، وأغنياء يختلسون المليارات، هو ما دفع مسؤولين إيرانيين بارزين في «ولاية الفقيه» إلى التحذير من أن نظام طهران ربما لن يسقط بانقلاب أو هجوم عسكري أو من خلال ثورة مخملية بل إنه سيسقط نفسه بنفسه ومن داخله، جراء استشراء الفساد في البلاد.

وجاءت تصريحات سكرتير مجلس تشخيص مصلحة النظام والقائد السابق للحرس الثوري الإيراني محسن رضائي لتدق ناقوس الخطر للإيرانيين، حينما حذر من خطورة انهيار نظام بلاده، قائلاً إن «الفساد والفشل اللذين نعاني منهما اليوم يعتبران قنبلة، لا نعرف متى تنفجر»، داعياً إلى «موقف حازم من قبل نظام الجمهورية الإيرانية لمنع انهياره»، مشدداً على أن «النظام الإيراني مهدد من الداخل، وعلى المسؤولين التعامل بحزم ضد الفساد الذي يعول عليه الغرب لإسقاط النظام».

وقبله، أكد السياسي الإيراني والمرشح السابق لانتخابات رئاسة الجمهورية، أحمد توكلي، أن «النظام في إيران سيسقط نتيجة الفساد المستشري في كافة مؤسسات البلاد بما فيها اللجان الرقابية».

وجاءت الحرب الكلامية والتلاسن والتراشق النادر بين الرئيس حسن روحاني ورئيس السلطة القضائية صادق لاريجاني، والذي يعد سابقة تحدث لأول مرة منذ 38 عاماً، لتكشف حقيقة الأوضاع المزرية في البلاد، وفساد السلطتين التنفيذية والقضائية، وتبين «بداية لعبة الكبار» حسب وصف وسائل إعلام محلية، حينما طالب كل منهما الآخر بكشف حسابات جهازه، وسط اتهامات متبادلة بين أعلى السلطات. وأعلن روحاني عن استعداده لكشف حسابات جهاز رئاسة الجمهورية، مطالباً لاريجاني المقرب من المرشد علي خامنئي بالكشف عن جميع حسابات السلطة القضائية، وذلك بعد اتهامات لاريجاني لروحاني بتلقي الدعم المالي في حملته الانتخابية الماضية عام 2013 من الملياردير بابك زنجاني الذي حكم القضاء الإيراني بإعدامه بعد اتهامه بسرقة أموال وفساد تصل إلى مليارات الدولارات. وهدد لاريجاني بأنه سيأمر بمتابعة أو اعتقال جميع الذين لديهم علاقة باستلام الدعم من زنجاني، وهو تهديد فسره الإيرانيون على أنه ينذر بتصعيد الأزمة بين السلطتين، تلك الأزمة التي بدأت منذ اتهام لاريجاني بإيداع أموال السلطة القضائية والتي تصل إلى مئات الملايين في حساباته الشخصية!

وقد أماط النائب في مجلس الشورى الإيراني محمود صادقي اللثام عن فساد السلطة القضائية في موقف نادر وغير مسبوق كاشفاً إيداع مبالغ حكومية تقدر بمئات الملايين من الدولارات في حسابات لاريجاني، وهو ما أثار حفيظة الأخير وأمر باعتقال النائب، رغم أنه من المفترض أنه يتمتع بحصانة!

لكن الملاحظ أنه بالرغم من الإعلان عن ملفات الفساد وإهدار المليارات فإنه لا يتم التطرق إلى فكرة استرداد الأموال المنهوبة ولا يتم الكشف عن محاكمة المدانين بالفساد إلا ما ندر، وهو ما يطرح تساؤلاً حول الدور الحقيقي لمؤسسات إيران الرسمية، وربما هذا ما يفسر تصنيف منظمة الشفافية الدولية لإيران بوضعها على رأس قائمة الدول الأكثر فساداً، باحتلالها المرتبة الـ136 من أصل 175 دولة من حيث الفساد، وفق دراسة أجرتها منظمة» ترانسبيرنسي إنترناشونال» غير الحكومية.

ولعل ما يثير الجدل والتساؤل ويفجر قضية استشراء الفساد في إيران ما يتداول حول استحواذ المؤسسات الدينية والجماعات المرتبطة بالمرشد الإيراني على نحو 80% من الاقتصاد في البلاد، دون الخضوع للرقابة، ناهيك عن الحرس الثوري الإيراني الذي تتمدد أذرعه داخلياً وخارجياً. ولعل من أبرز تلك المؤسسات الدينية، مؤسسة «ستاد» التي تم تأسيسها بعد وفاة روح الله الخميني عام 1989 لتمثل مركزاً لتطبيق «أوامر الإمام» بنحو 90 مليار دولار، بينما هي في الأساس عبارة عن مؤسسة لتنظيم شؤون العقارات التي كان يملكها المهاجرون وأنصار الشاه بهدف مساعدة الفقراء والمساكين، لكنها منذ ذلك الحين أصبحت من أكبر المؤسسات المؤثرة التابعة مباشرة للمرشد خامنئي، وبالتالي لا تخضع لأية رقابة حكومية، وفي نفس الوقت لا يسمح بالاقتراب من «التابو» بمناقشة ثرواتها ومصادر أموالها وأرباحها!

* وقفة:

رغم حديث ساسة «ولاية الفقيه» عن قوة بلادهم وقدرتهم على تدمير إسرائيل في 7 ثوانٍ يبدو أن «كعب أخيل» إيران في فساد النظام ما يعجل بانهياره عاجلاً أم أجلاً!!