حين سُئل المفكر السعودي الدكتور إبراهيم البليهي هل استفدت من التعليم الحالي؟ قال «كلا لم أستفد منه شيئاً، بل إنني أعتقد أن التعليم أضرني ولم ينفعني». وفي مقاربة جميلة للكاتب جابر بكر حول رأي البليهي حول التعليم يقول: «وفي هذا السياق يطالب البليهي في كتابه بإبراز مقومات الإبداع، «بالهدى والرشد» أي تنمية التفكير العلمي، وتشجيع التحليل بدلاً من التلقين، والإبداع بدلاً من الاتباع، والدراية بدلاً من الرواية، والحوار بدلاً من الإلزام بحد السيف، واحترام الرأي الآخر، والتأكيد على لغة الحوار بين الثقافات والحضارات على أساس من الاحترام المتبادل والندية. فالاحترام المتبادل هو الوسيلة المهمة لإقامة علاقات عميقة، ورسم المستقبل الإنساني المشترك بين الشعوب وإرساء قواعد التفاهم العميق».

عشرات المليارات من الدولارات هي الميزانية الحقيقية التي تصرفها دول الخليج العربي على التعليم في السنة الواحدة، ولو جمعنا ما صرفته دولنا الخليجية على التعليم منذ قيام أول مدرسة فيها لوجدنا أمامنا رقماً فلكياً مخيفاً جداً، ومنذ ذلك الحين وحتى هذه اللحظة لا توجد لدينا جامعات بحثية ولا مخترعون ولا مكتشفون، فأين الخلل؟ نحن درسنا في مدارسنا من الذي صنع القطار ومن يقوم بتركيب سكته بين الدول الكبيرة، لكننا حتى الآن لا نستطيع صناعة السكة فضلاً عن القطار، لأن مخرجات التعليم عندنا لا توصلنا إلى الصناعة ولا تعلمنا كيف نصنع سكك الحديد في أوطاننا، بل ما فعلته هو أنها استطاعت أن تعرفنا بالدول التي قامت بصناعتها فقط، وهذه من كوارث التعليم في الوطن العربي عموماً والخليج خصوصاً.

حين يكون وزن حقيبة طفلتي أكبر من وزنها فهذا يعني أن التعليم عندنا مازال يعتمد على الحشو والتلقين الساذج وسمك الكتاب، أما التعليم البحثي القائم على إعمال العقل واستخدام ميادين البحث والتجرية العلمية والعملية فإن ذلك ليس وارداً في قواميس وزارات التربية والتعليم لدول الخليج العربي بل وفي كل العالم العربي. فنحن مازلنا ننظر إلى الطالب الخليجي باعتباره مخزناً للمعلومات وحافظة ذكية لكتب غبية، هذا هو مفهوم التعليم لدينا مع الأسف الشديد.

نحن لسنا في حاجة لإصلاح التعليم في منطقتنا العربية وحسب، فعيوب التعليم العملاقة عندنا لا تصلحها أي حركة تصحيحية، بل نحتاج كخليجيين إلى ثورة شمولية تخلع مبانيه العتيقة من جذورها لتبني بدلاً منه صرحاً تعليمياً مختلفاً في مفهومه ومعطياته ومخرجاته وجوهره وشكله، وإلا إذا استمر الحال على ما هو عليه اليوم، فإننا لن نستطيع أن نتقدم ولن نستطيع أن نقدم لمستقبلنا فكرة تصلح لصناعة قطعة معدنية من سلسلة سكة حديد طويلة ممتدة من شرق أوروبا حتى غربها، فكيف لنا بغزو الفضاء إذا اعتمدنا على مناهجنا السائدة والتي هي أقرب «للنكتة» منها للبحث العلمي الرصين؟ والله المستعان!