يوم الجمعة الماضي كان قد صلى بعد صلاة الجمعة صلاة الميت على أحد أقاربه، وبعد دفن الميت قال لمن معه وهو يشير إلى القبر: انظروا، آخرتنا هنا، اعملوا خيراً لمصيرنا هذا، وعندما طلب من معه أن يمضوا قال لهم: اصبروا قليلاً، أريد أن أبقى هنا لأدعو لنفسي أن يأجرني الله من عذاب القبر.

تقول إحدى شقيقاته: «كان وجهه مشرقاً في ذلك الأسبوع وكان ودوداً أكثر من ذي قبل معنا، هو شخص مرح لكنه كان أكثر مرحاً في ذلك الأسبوع، حتى إنه توجه لوالدتي ووالدي يوم الخميس وجلس معهما طويلاً، فليس من عادته زيارتهم في هذا اليوم فهو يزورهم مساء كل جمعة».

لم تفقده عائلته رحمه الله عصر ذلك اليوم -نفس اليوم الذي صلى فيه على أحد أقاربه- وكان من تصرفاته وكلامه لمن حوله من الواضح أنه يعلم بأنه قد يرحل لكنه حاول ألا يبين لأحد ذلك بل فقدته البحرين بأكملها، العميد خالد الوزان رحمه الله، كان مدرسة من مدارس العطاء والخير، ليس في مجال عمله فحسب، بل حتى خارجه. هذا الرجل الذي خدم البحرين في أكثر من مجال يعتبر أحد رجال البحرين في الوطنية والأمانة والنزاهة والمسؤولية والإخلاص.

بعد وفاته تفاجأ أهله بالكثير من الأعمال الخيرية السرية التي كان يقوم بها بينه وبين ربه دون أن يدري بها أحد، تكفل بالنفقة على العديد من الفقراء شهرياً وكفل الكثير من الأيتام، كان يحب البساطة وكان يقول لمن حوله «لا تهمني المظاهر حتى وإن أساء البعض الظن وفسروها بخلاً، يهمني العمل للآخرة وتسخير أموالي للخير».

كان يقوم بأخذ أحدهم «قال عنه مجنون» ويهتم بإلباسه الثياب النظيفة وأخذه إلى المسجد لكي يصلي، كان يعتني به كثيراً ويأخذ بيده ويهتم بأموره ولا يأبه بمن يقول له أنه مجنون غير مدرك لما حوله، ورغم أن هذا الرجل لا عقل له لكن عندما سمع بخبر وفاته بكى!! مع كل صلاة فجر كان يترك الطعام لقطط الشارع وهو متجه إلى المسجد للصلاة.

تقول شقيقته: «من ضمن الأيتام الذين يكفلهم جاءت لعزائنا يتيمة اكتشفنا أنه قام بتدريسها في الجامعة على نفقته الخاصة، كما قام بتزويجها وتكفل حتى بنفقات زواجها. في باكستان أنشأ أربع مدارس لتحفيظ القرآن الكريم ومساجد وبعد وفاته فتحت مجالس عزاء له في باكستان. فهو صاحب أيادٍ بيضاء على الكثير منهم هناك. هو ملتزم وذكر الله كان لا يغادر لسانه وكان أي باب للخير يجده يهرع إليه دون تردد ويرى أن هذا الباب قد أوجده الله له لكي يستغله في طلب الأجر، ومعظم أعماله في الخير لا يخبر بها أحداً، وتمت معرفتها من خلال الناس الذين جاؤوا لتقديم واجب العزاء لأهله!».

«ذات يوم كان في المملكة العربية السعودية ومعروف عنه أنه ما أن يرى قطة بالشارع حتى يهرع لمنحها الطعام، فطلب ممن معه أن يشتري للقطة طعاماً ويضعه لها، ونسي من معه ذلك وعادوا للبحرين، فلما اكتشف أن القطة التي جاءتهم -وكان واضحاً أنها جائعة- لم تأكل طلب ممن معه العودة إلى السعودية والبحث عنها وطلب أن يتركوا لها طعاماً كثيراً رغم أن مسافة الدرب تأخذ ثلاث ساعات، لكن شيئاً ما يبدو أنه جعله يفهم أمراً ما سخره الله في دربه في ذلك اليوم لكي يحصل على أجر من ورائه، حتى لو كانت هناك مشقة كبيرة في العودة لها، وحتى إن كان أمل إيجادها ضئيلاً.. العودة لأجل قطة في الشارع من البحرين إلى السعودية فقط لأنها كانت جائعة ولم يطعموها!! هكذا كان رحيماً لآخر درجة!»

من ضمن جهوده أيضاً دعم مشروع فارسات المحرق الذي تم بين مركز شرطة الحد ومركز شباب المحرق، وكان حريصاً ويتابع بدقة أن يكون التدريب لهن في مكان خاص يناسب خصوصية الفتيات، حتى إنه أمر في وقت تدريبهن ألا يكون هناك رجال بالمكان غير المدربين، هكذا كان في عمله يتابع أدق التفاصيل، لم يترك مجالاً شعر بأنه يحتاج لدعم ومساندة إلا وبادر بذلك، فلديه بصمات في الكثير من المواقع، حتى في المواقع الوظيفية التي كان يتركها لا بد أن يترك فيها بصمة خالدة كاسمه رحمه الله.

* إحساس عابر:

صادف هذا الأسبوع ذكرى وفاة الأمير الراحل عيسى بن سلمان رحمه الله والتي كانت في 6 مارس 1999، في عهد أمير القلوب كانت البحرين رائدة في العديد من المجالات على مستوى الخليج العربي، ومركزاً لانطلاق أوجه التنمية، وبلداً مصدراً للطاقات والكفاءات التي شاركت بتعمير دولة البحرين ودول الخليج العربي، حتى وصلت إلى ما وصلت إليه اليوم من تقدم ونماء.