لم يعد خفياً انحياز الرئيس السابق باراك أوباما كلياً للإرهاب الإيراني والسماح له بالتمدد بل توفير الدعم والحماية لنظامه الإرهابي ولكل ميليشياته وقادته الذين جلهم مطلوب للقضاء الأمريكي أو الإنتربول!!

حيث تغاضت الإدارة الأمريكية متعمدة عن كل سجلاتهم الإرهابية، بل وصل الأمر بألا يتم تحركهم وسط بغداد ولا حتى في سوريا إلا بحماية أمريكية، وقد تجلى ذلك بوضوح عند زيارة الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد إلى بغداد، حيث تولت الطائرات المقاتلة الأمريكية في حينها مرافقة موكبه ذهاباً وإياباً، كما قامت بتوفير الحماية الأرضية المشددة له وبقيت قريبة وملازمة له لحين مغادرته!

إن كل ذلك الدعم والتمكين لإيران وإطلاق يدها في المنطقة كان يهدف منه الرئيس السابق أوباما إعطاء مغريات لطهران للحد من تسارع برنامجها النووي، وهو يريد وبأي وسيلة وثمن أن يقدم خدمة لحاخامات اليهود بعرقلة برنامجها وبتجنب اللجوء للقوة، لأن إيران في الحقيقة ملتزمة بدور مهم في المنطقة، وأن أي عمل عدواني أو استفزازي ضدها سيفشل المخطط!!

إن سياسة التقارب الأمريكي مع نظام الملالي في طهران انطلقت منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 بعد أن أسس له المحافظون وبلغ ذروته في عهد أوباما، فكان الاتفاق المبرم بينهما، والذي اتضحت اليوم كل خباياه، بأن تسهل إيران لأمريكا اجتياح أفغانستان والعراق مقابل تمكين «الولي الفقيه» بالتمدد على أن تتولى الإدارة الأمريكية بعد ذلك الضغط على السنة وعزلهم وإذلالهم وإيصالهم إلى حد الانفجار، ثم توصيف أي مقاومة أو اعتراض أو ثورة بأنه إرهاب، فإن تعاطف العالم مع معاناتهم وثوراتهم اخترقوهم بإقحام مجاميع إرهابية من بني جلدتهم ويدينون بنفس مذهبهم تم تدريبهم في معسكرات أمريكية وإيرانية ليأخذوا مكانهم بين صفوفهم ليقوموا بهذه المهمة، ويواكب ذلك عمل إعلامي جبار يظهر إرهابهم في الذبح والحرق والغرق، وهو يفوق إمكانيات أي ميليشيا بل لا تملكه حتى بعض كبريات الدول والفضائيات، والتثقيف بعدها على أنه يمثل منهج الإسلام السني الذي تدين به الأمة تحديداً، وعلى هذا الأساس أعد ذلك السيناريو بدقة وحتى قبل اجتياح أفغانستان والعراق وبتعاون إيراني تام لكنه كان مخفياً عن الكثير، وهذا هو دور المخابرات ودهاليز السياسة العميقة للدولتين وبإشراف ماسوني عالمي!

وبعد مرور ما يزيد على عقد ونيف على ذلك المخطط الدموي، ووصول الأمور إلى حالة الانفلات والخروج عن السيطرة، وشعور الإدارة الأمريكية أن بعضاً من خيوط اللعبة قد تقطعت والأخرى تعطلت، ولدخول لاعبين جدد على الحلبة منها دول عالمية وأخرى إقليمية ولاتساع دائرة الإرهاب الذي صنعوه بأيديهم وأرادوه أن يبقى محصوراً في حوض الشرق الأوسط لكنه تعاظم وتدحرج ككرة النار لتكتوي اليوم بشرره مجتمعاتهم، فلا مناص بعد اليوم إلا بإيقاف ذلك العرض وسحبه كما تسحب الأفلام الهابطة من دور العرض، ومن هذا المنطلق عزمت الإدارة الأمريكية الجديدة إنهاء مسرحية «داعش» وإخراجها كلياً من العراق ثم محاصرتها في سوريا والقضاء على قياداتها وقاعدتها العربية بالذات والاحتفاظ بالرؤوس الأجنبية ثم نقلهم إلى أماكن آمنة لإعادة تنظيمهم ونشرهم وتوزيعهم في أماكن صراع أخرى، والمتتبع لمعركة الموصل يعي تماماً ما أقول!

ولم يأتِ تصريح أوباما سابقاً من فراغ عندما قال «نحن بحاجة لعقدين من الزمان للقضاء على «داعش»» وكان قصده لمن فاتته قراءة ذلك التصريح بدقة هو الانتهاء من مهامها!

بعد انتهاء الفصل الأول من «داعش» فرع العراق هنالك توجس كبير وحبس للأنفاس لبعض من الأنظمة والميليشيات المرتبطة بها والتي ربما سيجرفها الطوفان، فالقوات والبوارج والأساطيل التي تدفقت إلى المنطقة والحركة المكوكية للقيادات وكثرة المؤتمرات وتصاعد نبرة التصريحات وكثرة المناورات وإعادة تشكيل التحالفات وحتى التقارب بين الأضداد، يوحي بأن هنالك أمراً جللاً سيجتاح المنطقة. وأكثر نظام متوقع له الانحسار أو الانهيار هو نظام الملالي بعد أن أدى دوره وتمادى فيه، والقيادة العراقية تدرك ذلك جيداً.

أما أكثر ميليشيا متوقع لها أن تغادر الساحة أو تنكمش فهي ميليشيا «حزب الله» الإرهابي، ولن يغفل الأمريكي هذه المرة عن قيادات وميليشيات نشطت في العراق وأصبحت تمثل خطراً على حلفائها وأمن المنطقة، ويستطيع المتابع أن يشخصهم تماماً من شدة صراخهم وعنترياتهم الجوفاء!

هكذا هي سياسة اللعب مع الكبار ضريبتها قاسية جداً!