حضانة الأبناء ليست معركة بين الأم والأب يكسبها أحدهما أو يخسرها، بل إن حضانة الأبناء هي مسألة أين تكمن مصلحة الأبناء؟ المعركة الحقيقية ليست لمن حكم القضاء له في قضية حضانة الأبناء، ولكن المعركة هي في تواجد كلا الطرفين -الأم والأب- في حياة أبنائهما بصورة يومية وعلى مدار 24 ساعة، وفي كل الظروف، وهذا بالتأكيد واجب الآباء نحو الأبناء وحق من حقوقهم، وليس تفضلاً كما يظنه البعض.

آلمنا الصراع بين اثنين «من المشاهير» حول حضانة أبنائهما، آلمنا إشراك وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي في معركتهما، فكلاهما يبرر للناس مواقفه وحبه لأبنائه، في محاولة بائسة لاستمالة الجمهور عاطفياً، ولو حل الخلاف بالمودة والاحترام بعيداً عن الإعلام وعن المحاكم لكان أفضل لنفسية الأطفال، لأن الأبناء يأتون دائماً وأبداً في قمة أولويات الوالدين، ولكن للأسف بعض الآباء يجرون أبناءهم إلى ساحة المعركة لا لشيء إلا لمصلحة ما، وغالباً ما يكون العناد سبباً في تفاقم المشكلات وتعقيدها.

من يحب أبناءه لا يتركهم في مهب الصراعات، بل عليه أن يساعدهم ويساندهم ويبرز تواجده المستمر في حياتهم. فبعض المطلقين -الأب أو الأم- عندما تكون الحضانة عند أحدهم، يتفضل على أبنائه بزيارة سريعة كل أسبوع أو أسبوعين، وبمكالمات بسيطة لا تتعدى الخمس دقائق ظناً منها أو منه بأنه أدى واجبه نحو أبنائه، وأنه سأل عنهم، وهو يقوم بذلك على مضض، وهو لا يدرك أنه يبني سوراً عالياً بينه وبين أبنائه، فربما لا يجدونه اليوم ولكنه بالتأكيد لن يجدهم غداً. فالأبناء لا يحتاجون إلى المال فقط وإنما يحتاجون أيضاً إلى رعاية وتربية وتعليم وتهذيب، والأهم من ذلك أن يجعل من نفسه في نظر أبنائه القدوة الصالحة والمثل الأعلى الذي يحتذون به إلى آخر العمر.

قديماً قالوا «إذا تغيرت المخدة تغيرت المودة» وهذا المثل قد ينطبق على من تزوج على زوجته بأخرى -الزوج الذي لا يعدل بين زوجاته- أو طلقها، والمثل أبداً لا ينطبق على الأبناء في محبتهم ومودتهم له حتى وإن سكن في بيت آخر بعيداً عنهم. فبعض الأزواج ما يلبث أن يطلق زوجته ويترك حضانتهم عند أمهم، حتى يهمل في التواصل معهم ولا يجبر خواطرهم المكسورة على فراقه، وكأنه طلق أبناءه مع طلاقه من أمهم، بل إن بعض الآباء وبعض الأمهات يهملون أبناءهم لا لشيء إلا لأن أحدهما يكره الآخر، والإهمال يتضمن كل شيء، مادياً ومعنوياً، حتى إن البعض منهم يبخل في توفير أسباب الراحة لأبنائه حتى لا يعكس هذه الراحة على الآخر.

القليل من الآباء من لا يغير شيئاً على أبنائه بعد الطلاق، فيحوطهم بالمحبة أكثر ويسد فراغ عدم تواجده معهم بالسؤال المستمر وتلبية جميع احتياجاتهم، حتى لا يترك مجالاً للآخرين بأن يستغلوا هذا النقص، أو أن تهتز صورته أمام أبنائه، أو أن يعطي انطباعاً سيئاً عند أبنائه كيف كان معهم قبل الطلاق وكيف أصبح بعد ذلك. فاستقامة أي فرد ليست فقط بأداء العبادات من صلاة وصيام، وإنما أيضاً في معاملته مع الآخرين وخصوصاً الأقربين، ولا يوجد أقرب من الوالدين إلا الأبناء.

الأبناء هم كالبذرة إن زرعت في أرض صالحة وأحيطت بعناية وحرص، نبتت وكبرت بكل فخر بل وانبتت ثماراً طيبة، وسيحصد الآباء والأمهات هذه الثمار ليس في بر الأبناء لآبائهم وإنما أيضاً في صلاحهم في المجتمع، وهذا بالتأكيد ما هو إلا انعكاس طبيعي لحالتهم النفسية الراضية حتى وإن لم يتحقق تواجد الوالدين في الصورة التي ارتسمت في مخيلتهم كصورة طبيعية وكاملة تحوي كل أفراد الأسرة، ويكفينا حديث الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم لتأدية كل فرد أمانته في الحياة بصورة كاملة «كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته».