أكد الأمين العام للمجلس الإسلامي العربي في لبنان، محمد علي الحسيني أنّ إيران لعبت بنجاح على الوتر المذهبي لتفتيت المجتمع العربي، ولكنها أيضاً أمعنت في لعبة التفتيت هذه داخل الطائفة الشيعية، مشيراً إلى أنّه في طهران توجد هيئة قيادية في الحرس الثوري تصنف رجال الدين الشيعة العرب بين موال ومعارض، وبين من يجب دعمه ومن يجب إقصاؤه وعزله، وحتى قتله.

وشدد على ضرورة أن يكون هناك تجمع شيعي عربي يمثل الشيعة العرب تمثيلاً حقيقياً، خصوصاً ضد المخططات الإيرانية، مشدداً على أنّهم جزء لا يتجزأ من معركة الأمة العربية دفاعاً عن أمنها وحقوقها وصياغة استقلالها وسيادتها على أراضيها، في مواجهة الأخطار التي تواجهها.

ورأى الحسيني، في حوار خاص مع "الخليج أونلاين"، أنّ حماية الأمن القومي في أي مكان في العالم تتطلب جهداً رسمياً وشعبياً، لتنمية وتوحيد القدرات والإمكانيات في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، وتعزيز القدرات العسكرية والأمنية. وأكد أنّه "ثمة دور أساسي ومحوري للشيعة على المستوى العربي، لأنّ مجتمعاتنا العربية متنوعة طائفياً ومذهبياً، وعلى أثر ذلك فإنّ التدخلات الخارجية، وأخطرها التدخل الإيراني، يستغل هذا التنوع الطائفي والمذهبي، ويستغل أيضاً سوء إدارة هذا التنوع من قبل بعض الحكومات العربية، ليقيم جسور تدخل وتفرقة وتفتيت، لتدمير هذه المجتمعات من الداخل". وأوضح أنّ تأسيس المجلس الإسلامي العربي يدخل ضمن هذه الحالة، ليكون بمنزلة التجمع الشيعي العربي الحقيقي والجدي الذي تلتقي فيه كل الأصوات والمرجعيات والشخصيات والفئات والنوادي واللجان والهيئات الشبابية والتجمعات الشيعية العربية الوطنية، انطلاقاً من لبنان ونحو كل العالم العربي، والتي تتفق كلها على عروبة الشيعة ودورهم الأساس في تعزيز وصيانة وحدة الموقف العربي ضد تدخل نظام ولاية الفقيه في إيران وغيره. وتابع قائلاً: "هذا الإطار القيادي لا يزال قائماً، وعلى الرغم من عدم احتضانه ودعمه وتقويته من قبل الحكومات العربية، فإنه مستمر في مقارعة المشروع الإيراني، في لبنان خصوصاً، وعربياً على وجه العموم، بإمكانات ضئيلة، مستمداً عزمه من صدق رجاله وإرادتهم وتقواهم، وإيمانهم بعروبتهم قبل كل شيء". وأشار إلى وجود كثير من الأصوات الشيعية المعترضة على الهيمنة الإيرانية على شيعة لبنان والعرب، ولكنها أصوات فردية متفرقة مشتتة، تفتقد إلى القيادة والتنسيق والتوجيه، كما أنّها أصوات ضعيفة يسهل الاستفراد بها ومحاربتها، وهذا يعود إلى أنّ إيران قد زرعت في كل بلد عربي أداة قوية. ويستدل على ذلك بـ"حزب الله في لبنان، وهو قوة منظمة وقوية وفعالة، وحزب ذو انضباط حديدي وقيادة صارمة، تقود جحافل من الشبان المغرر بهم، دينياً وسياسياً واجتماعياً"، متسائلاً في الوقت نفسه: "كيف يمكن لأصوات متفرقة أن تواجه آلة حزبية بهذا الحجم من القوة والصرامة؟".



وشدد على أنّ "التشرذم لدى المعارضين الشيعة يجب أن ينتهي، وينبغي العمل فوراً على قيام التجمع الشيعي العربي الموحد الذي يضم كل المعارضين لمشروع ولاية الفقيه، وهذا ما نتبناه ونصبو إليه للخروج على الناس بصوت واحد، وبقدرة واحدة، رفضاً لهيمنة ولاية إيران، ولمواجهة من يفرضها بالقوة، مثل حزب الله أو غيره". ورأى الحسيني أنّ الاعتراف العربي بتجمع رسمي حقيقي يمثل الشيعة العرب، سيمده بالقوة اللازمة للعمل، فيكون ناطقاً فعلياً باسم الشيعة العرب، عاملاً في أوساطهم، ممثلاً لهم في المحافل والمنتديات العربية والدولية، لافتاً إلى أنّ هذه المهمة لا يستطيع فرد واحد أو مجموعة أفراد أن ينفذوها من دون إطار قيادي يوحد الطاقات والجهود، وينظم العمل، لتحقيق الأهداف. وحول كيفية إعادة شيعة العرب لحضن الدول العربية، يؤكدّ الحسيني أنّ شيعة العرب طالما عاشوا في بلدانهم منسجمين في مجتمعاتهم، ولم يخرجوا يوماً من الحضن العربي. واستدرك "لكن قيام سياسة تصدير ثورة ولاية الفقيه الإيرانية، حرّك لدى بعض الفئات منهم طموحات ومطامع سياسية وسلطوية، حيث راهن البعض على إيران التي أثارت القلاقل في بعض الدول العربية، ولكنها لم تتحول أبداً، ولن تتحول، إذا وجدت القيادة العربية الواعية، إلى ثورة عارمة، لأنّ الأكثرية الساحقة من الشيعة العرب تؤمن بعروبتها ووحدة دولها العربية، وترفض أن تنسلخ عن أوطانها، أو أن تكون جسر عبور لقوة خارجية لغزو بلدها". واعتبر أنّه لا يوجد مشكلة سنية شيعية في المنطقة، وإنّما المشكلة العربية تكمن مع نظام ولاية الفقيه الإيراني، التي هي مشكلة سياسية-وطنية تواجه كل دولة على حدة، ومشكلة قومية وجودية تواجه العرب مجتمعين، لأنّ التفتيت إذا حصل فلن يقتصر على دولة واحدة، معتبراً أنّ الشيعة العرب الموجودين في العديد من دول المنطقة كان لهم خلال المراحل التاريخية المختلفة دور كأي طائفة إسلامية أو مكون اجتماعي آخر في بلدانهم، وقد كانوا كغيرهم عاملاً إيجابياً يسهم في بناء الوطن والذود عنه. ومن هنا فإنّ معركة إبقائهم في الحضن العربي- بحسب الحسيني- هي ممكنة ورابحة، بل واجبة وضرورية؛ "لأنّ المجتمعات العربية حيث يعيش الشيعة، تبدي مقاومة متفاوتة للطموح الإيراني". وأكد أهمية تعزيز دور المرجعيات الشيعية العربية والوطنية الموثوقة التي تمتلك الحجة والبرهان، وتختزن الموروث الشيعي التاريخي، وتملك الأطر العملية القوية، والإمكانات المادية المطلوبة، لفضح سياسة النظام الإيراني القائمة على دعامة الفارسية، ولإقامة وتقوية الدعامة المقابلة، المتمثلة في العروبة لمواجهتها. أما عن الكيفية التي كسبت بها إيران الشيعة العرب لجانبها، فيقول الحسيني: "انسجاماً مع سياسة تصدير الثورة، التي تقضي بمد رؤوس الجسور داخل الدول العربية، وجدت إيران- على سبيل المثال- في شيعة لبنان، وتحديداً في ثمانينيات القرن الماضي، ضالتها لإقامة موطئ قدم قوي على البحر الأبيض المتوسط، حيث كان الشيعة بقيادة الرئيس نبيه بري حتى ذلك الحين يجدون في النظام السوري حليفهم الأول، وكان معظم المرجعيات الدينية مثل السيد محمد حسن فضل الله والشيخ محمد مهدي شمس الدين، يدورون أيضاً في الفلك السوري". وتابع: "فقررت طهران إنشاء حزب الله، أولاً عبر استمالة تلك المرجعيات الدينية، التي ركبت موجة الثورة الخمينية، وثانياً من خلال شق حركة أمل برئاسة نبيه بري واستقطاب عدد كبير من قياداتها وعناصرها، وأغدقت في سبيل ذلك مئات ملايين الدولارات". ويؤكّد الحسيني أنّه "عندما قام حزب الله وقويت شوكته بدأ فوراً بإلغاء الآخرين، وأولهم السيد فضل الله، ولاحقاً بدأت التصفية العسكرية لحركة أمل، وخنق كل صوت شيعي مستقل عن الإرادة الإيرانية، وأرسل الحرس الثوري أيضاً ضباطه بأعداد هائلة؛ بوصفهم دعاة ورجال دين، فانتشروا في كل الوسط الشيعي، وأقاموا حوزات دينية تعلّم وتخرّج رجال دين مزعومين يحملون التصور الإيراني الصفوي للمذهب الشيعي". ويرى الحسيني أنّ عجز رجال الدين الشيعة اللبنانيين المستقلين عن صد المد الإيراني، يرجع لغياب المرجعية الشيعية العربية، إضافة إلى الوجود الإيراني الذي كان مدعماً بإمكانات مالية ضخمة للغاية. "لقد قدموا الرِّشا من خلال المساعدات المالية والعينية، وقدموا معها منظومة فكرية متكاملة من التحريف والتشويه في مبادئ التشيع، وقوام ما عرضوه يدور على نظرية الولي الفقيه". ويشدد الحسيني على أنّ طهران أنفقت على شيعة لبنان أكثر بكثير مما أنفقته على شيعتها الفرس داخل بلادها.