لم يشهد التاريخ القديم والحديث حرباً أسوأ من الحرب التي تجري اليوم في الشرق الأوسط وعلى وجه الخصوص في المناطق التي ضربها الإرهاب وتشابكت فيها المصالح والأجندات، ولقد اتفق الجميع على تغييب الأخلاق وعدم الالتزام بأي مواثيق دولية ترافق الصراع ويغطي أحدهم على جرائم الآخر مما تسبب في تحويل تلك الساحات إلى مناطق منكوبة حقاً!

ولو عدنا إلى سجلات ومواثيق الأمم المتحدة لنتعرف من خلالها على توصيف دقيق للمناطق المنكوبة لعلمنا يقيناً أن مناطق النزاع أعلاه قد تعدت مرحلة النكبة ويكاد أن يقف أمامها ذلك التوصيف خجولاً!!

وكما هو معلوم فإن المنطقة المنكوبة هي منطقة جغرافية أصابها أمر كارثي كالزلزال أو الإعصار والفيضانات والسيول والحرائق أو الكوارث بسبب السلوك البشري من جراء الحروب والإشعاعات النووية.

ولا أريد أن أطيل كثيراً في سرد تلك المواثيق والقوانين الدولية لكني قصدت منها أن أذكر تلك المنظمات بواجباتها وألفت انتباه القائمين عليها أن تلك المنظمات والهيئات قد تخلت عن واجبها الإنساني وأصبحت ذيلاً ذليلاً تابعاً لمن يتحكم بمقررات الأمم المتحدة فخرجت بسكوتها عن طابعها الإنساني وأصبحت أداة من أدوات الصراع!!

وسنركز اليوم على حالة واحدة من حالات الصراع ونضعها أمام أبصار ممثلي الأمم المتحدة لشؤون الإغاثة والسادة الراعين للقانون الدولي الإنساني ومنظمات حقوق الإنسان والهيئات الدولية ومن يحكم زوراً العراق، ولنضع تلك المسؤولية في رقابهم، وأعلم يقيناً وفي ظل انفتاح العالم أنهم جميعاً على علم بما يحدث هنالك، لكن يقيناً هناك أمراً دبر بليل يجعلهم يتسمرون ويداهنون الظالم على فعله، وسيأتي لا محالة ذلك اليوم الذي ستنكشف فيه الاتفاقات المشبوهة والخيانة والعمالة على حساب الأرواح والدماء الزكية التي تزهق كل يوم من أجل منصب آفل أو كرسي مخلخل زائل..

لننتقل بكم سادتي ولنبرق من خلالكم ومن خلال منبر «الوطن» البحرينية رسالة مختومة بالدم موجهة إلى تلك الهيئات والمنظمات ولننقل لكم ولهم حجم الكارثة التي حلت بمدينة الموصل العراقية كشاهد على الإجرام الدولي الذي تمارسه القوى المتصارعة هناك وإمعانها في إذلال أهلها وتعمدهم في إلحاق أكبر ضرر بالمدنيين باستهدافهم والتعمد بإنهاء البنى التحتية وطمس تاريخها الضارب في عمق التاريخ وبحجة محاربة الإرهاب!!

لقد انطلقت عمليات ما يسمى «قادمون يا نينوى» قبل خمسة أشهر تماماً وبقيادة وتغطية جوية أمريكية، وكان حرياً بها أن تعلم أن حرب العصابات والمدن فيها من المخاطر ما يتطلب توخي أعلى درجات الحذر في اختيار نوع الأسلحة واستخدامها واستبعاد فرضية الأرض المحروقة، وكان يتوجب عليها أن توعز إلى المنظمات الإنسانية بالتهيؤ قبل اندلاع القتال، وبتمويل ودعم مفتوح منها، والتركيز على إقامة مناطق آمنة، وإنشاء المخيمات الكافية لإيواء النازحين وتزويدها بالخدمات، وتوفير مصادر التموين والدعم، وإنشاء المراكز الصحية الميدانية لاستقبال الجرحى، والرعاية الخاصة للأطفال والمرضى والمسنين، وقبلها استحداث ممرات آمنة وتشديد الحظر على الميليشيات والقوات الخارجة عن القانون من التقرب لمناطق النزاع قبل وبعد انتهاء العمليات، والأهم من ذلك تأهب الجهد الهندسي للانطلاق فوراً لإعادة الخدمات وإصلاح البنى التحتية للمناطق المحررة ولو بشكل مؤقت لحين دخول شركات الإعمار الكبرى «إن صدق المانحون»، والإسراع في إعلان حالة الطوارئ وتسمية حاكم عسكري وزج قوات مهنية لمسك الأرض لقطع الطريق عن العصابات والميليشيات بنشر الفوضى!!

لكن كل ذلك للأسف الشديد لم يحدث، فمازالت المدينة بساحلها الأيسر يعمها الفوضى والخراب، وقد تتعرض لكارثة بيئية وتتفشى فيها الأمراض.

ومازال المئات من المدنيين في ساحلها الأيمن يئنون تحت الأنقاض دون وجود أي جهد لفرق الدفاع المدني لانتشالهم، ومازال عشرات الآلاف محاصرين في دورهم وقد نفدت منهم مؤنهم وآلاف أخرى مازالوا هائمين في العراء على وجوههم ويتربصهم الموت برداً وجوعاً، والأطفال وكبار السن يتساقطون في الطريق سيراً إلى المخيمات وآلاف أخرى توافدوا إلى مخيمات مهلهلة تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة، وفوق كل ذلك الضيم تلتزم تلك المنظمات الصمت المعيب وتكاد تكون شريكاً في قتل المدنيين وزيادة معاناتهم شأنها شأن حكومة العبادي وبرلمانهم المسخ عندما يماطلون في إعلان الموصل منطقة منكوبة ألا ساءت وجوههم وساء برلمانهم وساء ما يزرون!!