تدخل الإيرانيون عسكريا في سورية، واستقدامهم لميليشيات من دول متعددة لم يكن إلا استكمالا للهيمنة الإيرانية على سورية، والتي بدأت بالزحف الديني الذي تم عبر بعثات تبشيرية استهدفت الأقليات الدينية على اعتبارهم "شركاء في المظلومية".

الأسد الأب لم يكن يتيح لإيران أن تعبث دينيا في سورية، ولكن تغير الوضع في عهد الأسد الابن، الذي برزت في عهده حركات التشييع بشكل لافت.

جبال الساحل السوري كانت تعاني الفقر والجهل، أكثر من غيرها، ما سهل على الإيرانيين إرساء مذهبهم معتمدين على إغراق الفقراء بالمال تارة واستمالة الجهلة بالبدع والأساطير تارة أخرى.

يقول علي وهو سوري من الطائفة العلوية في مدينة اللاذقية لأخبار الآن: "عمل الإيرانيون على إرساء مذهبهم، وجاءت الأحداث الأخيرة في سورية حيث تدخلوا كجيوش وألوية، ما رفع رصيدهم حتى لدى من كان ضدهم في فكرة التشييع".

التبشيريات الشيعية لاقت قبولا جيدا، فتقرر افتتاح مدارس، ومعاهد شرعية تعلم المذهب الجعفري الشيعي، وكلها نابعة من مجمع الرسول الأعظم في اللاذقية بإدارة أيمن زيتون وهو من مدينة الفوعة الشيعية في محافظة إدلب وتلقى تعليمه الديني في مدينة قم الإيرانية. بعض المتنبهين للخطر الإيراني يصفون هذا المجمع بغرفة عمليات إيرانية في عمق الساحل السوري.

سالم مدرس تاريخ في مدينة اللاذقية وهو من الطائفة العلوية يقول لأخبار الآن: "بمجرد نجاح الطالب في الصف التاسع، يمكنه المفاضلة على دخول معهد شرعي، يتلقى فيه التعليم والتربية على خلاف عاداتنا وتقاليدنا، حتى أن كثيرا من الأسر فضلت تدريس أبنائها في هذه المعاهد كونها تمنح رواتبًا للطلاب المنتسبين لها، وهذه المعاهد تنتشر بكثرة من اللاذقية وريفها إلى طرطوس وريفها وبانياس وغيرها من القرى والمدن السورية".

صور للأمين العام لحزب الله حسن نصرالله تملأ الجدران، إلى جانب صور للخميني وشخصيات دينية إيرانية وشيعية بشكل عام، باتت تنافس صور الأسد وشهداء جيشه، وتغيرات في عادات وتقاليد أبناء القرية الواحدة، ناهيك عن استياء بعض الدارسين في هذه المدارس والمعاهد من أبناء عمومتهم ومن أهاليهم في بعض الأحيان.

لؤي صاحب بقالية من عين شقاق في محافظة اللاذقية من الطائفة العلوية قال لأخبار الآن: "تغيرت تصرفات الدارسين في هذه المعاهد، فالفتيات يرتدين الحجاب وهذا شيء جديد على عاداتنا وتقاليدنا، وابن أخي لم يحضر عرس ابني، بالرغم من أنهم تربوا سوية كأخوين، واتهمنا بالكفر والخروج من الملة، هذا كله بسبب المعاهد الشرعية التي فتتت مجتمعنا".

مجمع الرسول الأعظم يسيطر على المنطقة عبر المعاهد والمدارس التابعة له، ولم يقف عند هذا الحد فله إذاعة تبث عن طريق الإنترنت، ومكاتب لحماية وتأمين ودعم الجرحى، وأسر الشهداء في المنطقة، وهيئات نسائية عليا، ومعاهد للتطوير والتأهيل، ورابطة المهدي، وحملات توعية وهدايا ومساعدات للمحتاجين سيما مساعدة الشباب على الزواج كونه أصبح صعبا في ظل الوضع الاقتصادي المتردي، ما يعني أنهم باتوا في صميم المجتمع السوري في تلك المناطق التي ينشطون فيها، ويجذبون أبناء المجتمع لتحويلهم من المذهب العلوي إلى الشيعي.

هذا المجمع الذي افتتحته إيران في حي شريتح في مدينة اللاذقية مطلع 2014، انبثقت عنه مدارس ومعاهد وجمعيات كانت كما يرى أغيد (من أبناء الطائفة العلوية) هيمنة دينية بخبث إيراني وتآمر نظام الأسد، وقال أيضا: "إن المشكلة لا تكمن في المنهاج التعليمي السوري، لكن تركيز المعلمين على زرع الطائفية بعقول المتعلمين هو المشكلة، وأخشى أننا سنصبح في مجتمع يرفض كل من لا يعتنق المذهب الشيعي، خاصة أنه ينتشر بكثرة في ريف المحافظة، كثانوية الرسول الأعظم في قرية عين العروس التابعة للقرداحة، وفي قرية البهلولية، وكان أحدثها في رأس العين التابعة لمدينة جبلة".

محاولات حثيثة وجهود مكثفة تبذلها إيران لتسيطر دينيا وفكريا على سورية، مستغلة قبول الأسد واستعداده لبيع أبنائه مقابل بقائه في السلطة بحسب ما يرى طيف واسع من السوريين خاصة أبناء الطائفة العلوية.

هذا التغيير الذي تسعى إليه إيران من شأنه ضرب المجتمع السوري، وتفتيته، ووضع المبررات لحدوث حرب طويلة الأمد في بلد كره رائحة البارود بعد أكثر من ثلاث سنوات على إندلاع الثورة التي طالبت بالحرية والكرامة.