تنطلق الخميس جولة خامسة من المفاوضات غير المباشرة بين ممثلين عن الحكومة والمعارضة السوريتين في جنيف، لكن الآمال بتحقيق أي اختراق تبقى محدودة في ظل عدم إبداء طرفي النزاع أي مرونة في مواقفهما واندلاع معارك عنيفة في دمشق.

وانتهت جولة المفاوضات الأخيرة في الثالث من الشهر الحالي بإعلان الأمم المتحدة الاتفاق على جدول أعمال "طموح" من 4 عناوين رئيسة على أن يجري بحثها "في شكل متوازٍ"، هي الحكم والدستور والانتخابات ومكافحة الإرهاب، وهي ملفات خلافية بين طرفي النزاع.

ولم تنجح الجولات السابقة التي عقدت برعاية الأمم المتحدة في جنيف منذ العام 2016 في تحقيق أي تقدم على طريق تسوية النزاع السوري الذي دخل منتصف الشهر الحالي عامه السابع متسبباً بمقتل أكثر من 320 ألف شخص وبدمار هائل وبنزوح وتشريد اكثر من نصف السكان داخل سوريا وخارجها.


وأعلنت الأمم المتحدة الثلاثاء أن كل الأطراف التي شاركت في جولة التفاوض الاخيرة اكدت الحضور إلى جنيف. ويرتقب وصول وفدي الحكومة والهيئة العليا للمفاوضات، الممثلة لأطياف واسعة من المعارضة السورية، إلى جنيف على أن تنطلق المفاوضات الخميس.

ويشارك في هذه الجولة أيضاً ممثلون عن منصتي موسكو، تضم معارضين مقربين من روسيا أبرزهم نائب رئيس الوزراء الأسبق قدري جميل، ومنصة القاهرة المؤلفة من شخصيات معارضة ومستقلين أبرزهم المتحدث السابق باسم الخارجية السورية جهاد المقدسي.

وبحسب الأمم المتحدة، سيتولى رمزي عز الدين رمزي، مساعد المبعوث الدولي الخاص الى سوريا ستافان دي ميستورا استقبال الوفود الخميس وإطلاق جولة المفاوضات، في وقت يجري دي ميستورا جولة خارجية تقوده الأربعاء إلى موسكو، أبرز حلفاء دمشق، ومنها إلى أنقرة الداعمة للمعارضة.

وقال مصدر غربي قريب من المفاوضات لوكالة فرانس برس إن الجولة ستكون عبارة عن "محادثات غير مباشرة" موضحاً أن مهمة دي ميستورا "العمل على غربلة الأفكار وتدوير الزوايا" بين أطراف النزاع.

ورغم الاتفاق على جدول الأعمال، لكن مهمة دي ميستورا لا تبدو سهلة وفق محللين ودبلوماسيين، في ظل عدم استعداد طرفي النزاع وخصوصاً دمشق لتقديم أي تنازلات.

ويقول الخبير في الشؤون السورية والأستاذ في جامعة إدنبره توما بييريه لفرانس برس "برأيي لا آمال" معلقة على هذه الجولة "فالنظام مستمر في التقدم ميدانياً (..) ولا يوجد أي سبب يدفعه إلى تقديم التنازلات".

ويرى الباحث في "مجموعة الأزمات الدولية" نوا بونسي أن "النظام الذي لم يكن بوارد المساومة عندما كان يخسر ميدانياً، لن يفعل ذلك الآن وهو في أوج زخمه".

وحققت قوات النظام منذ بدء موسكو تدخلها العسكري في سوريا في 30 سبتمبر 2015، تقدماً ميدانياً على حساب الفصائل المعارضة والجهاديين في آن معاً وتمكنت من قلب موازين القوى لصالحها على جبهات عدة، أبرزها سيطرتها في ديسمبر بالكامل على مدينة حلب (شمال)، وبدء تنفيذ اتفاق الأسبوع الماضي يقضي باخراج مقاتلي المعارضة من آخر جيب يتحصنون فيه داخل مدينة حمص (وسط).

ويقول دبلوماسي فرنسي لفرانس برس إن "هذه المفاوضات صعبة للغاية (...) وعلى روسيا وايران تحديدا ممارسة الضغط على النظام، في وقت تبدو المعارضة مشتتة". واتسمت جولة المفاوضات الأخيرة بخلاف كبير على الأولويات بين الطرفين، الانتقال السياسي أو الإرهاب.

وأصرت المعارضة على تناول موضوع الانتقال السياسي أولاً، فيما طالب الوفد الحكومي بإضافة مكافحة الإرهاب إلى العناوين الثلاثة التي اقترحها أساساً دي ميستورا.

وتمت إضافة موضوع مكافحة الإرهاب إلى "السلال الثلاث" بطلب من دمشق، وفق دي ميستورا.

ويتبادل طرفا النزاع الاتهامات بالتعنت وعدم إبداء مرونة في المفاوضات. وتتمسك المعارضة بمطلب رحيل الرئيس السوري بشار الاسد، الأمر الذي تعتبره دمشق غير قابل للنقاش وتصر على أولوية مكافحة الارهاب كمدخل الى الحل السياسي للنزاع.

ويقول يحيى العريضي، أحد الاستشاريين المرافقين لوفد المعارضة إلى جنيف، إن "الآمال محدودة بحكم تعنت الفريق الاخر وعدم رغبته بالانخراط الجدي في إيجاد حل".

ويتهم النظام باتباع "استراتيجية تقوم على إخضاع الآخر" مشدداً على أنه لا يمكن تحقيق اختراق "لا إذا توفرت إرادة دولية فعلية لانهاء المحرقة السورية".

ويأتي ذلك بعد أيام من هجوم مباغت شنته الفصائل المعارضة على مواقع قوات النظام في دمشق ويعد الأعنف في العاصمة منذ عامين.

وتدور منذ الأحد معارك عنيفة بين الطرفين. ويرى العريضي أن ما يجري هو "دفاع عن النفس، فالناس في حالة حصار وتجويع ويتعرضون للقصف يومياً" مضيفاً "الفعل بحد ذاته رسالة بأنه لن تستتب الأمور للنظام ولا يمكن للناس أن تستكين له".

في المقابل، يعتبر د.بسام أبوعبدالله، مدير مركز دمشق للدراسات الاستراتيجية، أن هذه الهجمات "تضعف موقف المعارضة في جنيف.. وهي لا تغير معادلات راسخة على الأرض" مضيفاً "في كل مرة نتقدم في موضوع الحل السياسي، تلجأ قوى ميدانية مرتبطة بأطراف إقليمية إلى شن هجمات جديدة".

ورغم إقراره بأن الطريق "ليست وردية" لكنه يرى أن "الجديد هذه المرة أن هناك جدول أعمال واضحاً من شأنه أن يحدد مسار الحل السياسي".

وفيما تمارس روسيا ضغوطاً على دمشق أثمرت في الجولة السابقة موافقتها للمرة الاولى على بحث مواضيع الحكم والدستور والانتخابات، لاتزال رؤية واشنطن التي كانت تعد أبرز داعمي المعارضة في جولات التفاوض العام الماضي، غير واضحة.