شعرت الفتاة بدوار خفيف وآلام، تذكرت أنها تناولت في المساء طعاماً اكتشفت لاحقاً أن صلاحيته منتهية، لم تستطع وهي في الدوام أن تتمالك نفسها بسبب زيادة الآلام فهرعت بها زميلاتها إلى أحد المستشفيات الخاصة، هناك أخبرت طبيب الطوارئ عما بها فقام بأجراء بعض الفحوصات.

الأمر واضح بالأصل «تسمم»، لكن الطبيب طلب منها أن تجري فحوصات وتحاليل عديدة، بعد قيامها بكل هذا ورغم التعب والإعياء بسبب التسمم أخبرها بأن هناك حاجة لأخذ أشعة للاطمئنان بأنها لا تعاني من شيء، وعندما قامت بأجراء الأشعة التي دونها لها، جعلها ترتاح قليلاً ثم أخبرها بحاجتها لأخذ أشعة مقطعية فالأشعة العادية «X» غير واضحة، ولكونها لاتزال تتألم فمن الواجب أن تقوم بها لمزيد من الاطمئنان أيضاً! ثم عندما أخبرته أنها لاتزال متوعكة «وهو شيء طبيعي لمن يصاب بالتسمم حيث يحتاج للراحة وتناول الأدوية» طلب منها أن تجري أشعة لمناطق أخرى من الجسم حتى شعرت المريضة بأن كل ما تحتاج إليه الراحة فقط لا أن تكون فأر تجارب للطبيب الذي يبدو أنه لن يتوقف، في كل نصف ساعة تمر، عن طلب المزيد من الفحوصات والتحاليل، وقد يوصلها في سبيل ذلك كله حتى إلى غرفة العمليات للمزيد من الاطمئنان، كما يزعم!

هذا الموقف نقطة في بحر فيما يخص طرق استغلال المرضى الذين يزورون المستشفيات الخاصة التي تهتم بفاتورة المريض على حساب صحته وعلى حساب عدم مراعاة الأضرار التي قد تأتي بسبب تكرار استخدام إشعاعات الأجهزة، ونشدد على صحته فيما يخص المدى البعيد. فكثرة إجراء الفحوصات والتحاليل والأشعة تؤثر على صحة الجسم، وهناك العديد من الدراسات التي أكدت أن كثرتها تسبب الأمراض السرطانية، وبعض الأطباء للأسف يحاول الاستفادة ليس فقط من زيارة المريض، إنما ما بعد زيارته، من خلال كتابة أدوية كثيرة له لا داعي لها، ومن الممكن أن يفي دواء واحد بالغرض ويتعمد الطبيب إرسال المريض إلى صيدليات معينة للاستفادة المادية، بشكل مباشر من خلال نصحه بالاتجاه لها حيث الدواء متوافر فيها، وبشكل غير مباشر من خلال صرفه لدواء وإخباره بأنه لن يحصل عليه إلا في صيدلية يذكر له اسمها.

البعض يقول: «أحد المستشفيات الخاصة بات معروفاً إذا ما راجعه المريض يدرك أنه لن يخرج منه إلا بفاتورة ذات مبلغ وقدره... هم يتعمدون أن يجعلوا علاجك على مراحل متسلسلة فيما يخص الفحوصات والأشعة، وفي كل مرة تتم زيارتهم لا بد أن يقوموا بأخذ أشعة وتحاليل لك حتى يوصلوك إلى مرحلة عمليات المناظير بعدها يخبرونك ألا شيء بك!! والمريض ليست له حيلة غير المراجعة المستمرة لهم، فيما لو اتجه إلى مستشفى حكومي فإن الطبيب سيصرف له الدواء وسيتابع معه مرحلة الشفاء وانتهى، بمعنى «كلها زيارتين وخلصنا!».

وبعض الأطباء يأخذ راحته في طلب الفحوصات والتحاليل على المريض طالما لديه تأمين صحي، ويتعمد تكرار طلبها في كل زيارة أو يطلب تحاليل وأشعة جديدة، فيما غيرهم يتعمد أن يجعل المريض ينام بالمستشفى ويهول الأمور على أهله حتى يبقيه أطول فترة ممكنة من باب أهمية الاطمئنان عليه أيضاً!

هناك مسألة يتداولها البعض عن وجود مصالح مشتركة بين بعض المستشفيات الخاصة والصيدليات بشكل غير مباشر تحت عنوان «فيدني وأفيدك»، والأمر ذاته بين بعض الأطباء والصيدليات، كما يوجد هناك من يتناقل أن بعض المستشفيات تتعاقد مع الطبيب وتمنحه نسبة من تكاليف علاج كل مريض وتشجعه على تحرير التحاليل والأشعة المتكررة في كل زيارة حتى وإن كان ليس لها داعٍ.

من الواضح أن هناك حاجة لتشديد الرقابة على هذه المستشفيات التي تستغل حاجة الناس للتكسب المادي من ورائهم، وكذلك الأطباء الذين يتعمدون تمديد الخطوات وإطالة مدة العلاج وصرف الكثير من الأدوية للمرضى، لا بد أن تكون هناك محاسبة وعملية ضبط حازمة لهم أثناء التفتيش والرقابة على أسباب دفع المريض للقيام بكل هذه الفحوصات والأشعة والتحاليل دون الحاجة لها، ولابد من مراجعة سجلات المرضى، والتأكد من صحة الإجراءات التي تتم، وصحة الخطوات المتخذة، ومراجعة حتى عملية كتابة الأدوية لهم، ولا بد من فرض عقوبات على المستشفيات التي تفعل ذلك ومحاسبة الأطباء.