على الرغم من التعتيم الإعلامي المضروب على المعارك الدائرة في الجهة الغربية من مدينة الموصل إلا أن ما يصل منها من أخبار وصور ومقاطع فيديوية يوثق حجم الدمار والخسائر الفادحة في صفوف المدنيين العزل والبنى التحتية هو شيء مهول ويعطي انطباعاً أن سير العمليات قد انحرف عن مساره وهو يختلف تماماً عما حدث من عمليات أثناء استعادة السيطرة على الساحل الأيسر من المدينة من قبضة تنظيم «داعش» ويصعب علينا تسمية ما يجري هنالك بعمليات تحرير فواقع الحال هو فوضى ورعب وتدمير.

إن ما قلل من حجم الخسائر في الأرواح في بادئ انطلاق المعارك في الساحل الأيسر من المدينة هو أن ذلك الساحل مبني وفق تخطيط عمراني حديث ويتشكل من أحياء وشوارع عريضة يسهل فيها المناورة والاقتحام واصطياد الهدف وما يمثله أيضاً موقعه من أهمية بالنسبة للأكراد، الحليف الأقوى لأمريكا ووجود سهل نينوى موطن المسيحيين والأقليات، كما أن قوات التحالف أبقت على الجسور المشيدة فوق نهر دجلة لفترة طويلة لإفساح المجال لانسحاب المجاميع الإرهابية للانتقال إلى ساحلها الأيمن مما أعطى انطباعاً أن المعركة كانت مهنية وبأقل الخسائر!!

أما ما يحدث اليوم في جانبها الغربي فهو حرب إبادة جماعية وحمم تصب على رؤوس أهل المدينة صباً وأحالت المدينة إلى ركام يعلو فوق آلاف الجثث باستخدام أعتى أسلحة التدمير فتكاً.

فعلى سبيل المثال لا الحصر فلقد وقعت مجزرة مروعة في السابع عشر من مارس الحالي باستهداف المدنيين بصواريخ وقذائف شديدة الفتك والانفجار «وتتهم كل جهة الأخرى بمسؤوليتها». ولقد سقطت تلك الحمم فوق حي مكتظ بالسكان في منطقة «موصل الجديدة» وسوته بالأرض ودفنت معه مئات العوائل المحتمية في بيوتاتها بحجة وجود عناصر لداعش فوق مبانيها وقد تبين لاحقاً من شهود عيان ممن نجوا من المذبحة أن أفراد «داعش فيها» لا يتعدون عشرة مسلحين!! فهل يعقل أن تباد منطقة بأكملها لاصطياد عشرة دواعش ربما قد غادروها قبل ساعات!!!

فإذا اعتبرنا أن أفراد تنظيم داعش المتواجدين في الساحل الأيمن من المدينة والمقاتلين فعلياً هم بحدود ألف مقاتل ويتنقلون بخبراتهم القتالية أو بإيعاز وإسناد من جهات خارجية مطلعة من منطقة إلى أخرى، فهذا يعني بالحصيلة أن المدينة ستباد بالكامل خلال الأسابيع المقبلة وسنشهد مجازر مروعة أخرى تفوق مجزرة موصل الجديدة إن لم يتم تدارك الأمر!!

كنا متوقعين والكثير من المراقبين أن معركة الأيمن هي المفصل وهي المعركة الحقيقية وفيها ستصب كل الأحقاد بعد أن أوجدت داعش الذريعة وهيأت الأرضية للعدوان، فالكل لديه ثأر من تلك المدينة القديمة وأهلها، فهنالك أذاق المقاومون الأبطال القوات الأمريكية الغازية الويلات، وهنالك فشل المالكي وجيشه في بسط نفوذه والحفاظ على هيبته، وهنالك فشل المشروع الصفوي وتصدى له خيرة قادة وطياري وضباط الموصل الأحرار طيلة حرب ضروس دامت 8 سنوات عجاف جرعوا الخميني ببسالتهم السم الزعاف، وهنالك اندحر نادر شاه وتقهقر ذليلاً، فجاء يوم الحساب بعد أن استفردت كل تلك القوى وتجمعت في أرض وسماء تلك المدينة العربية العريقة لتدفع لوحدها فاتورة باهظة بعد أن انفض عنها الجمع وولوها الدبر وسلموها للنحر وهي واقفة شامخة في أشد محنة وأقسى قدر.

ما يجري اليوم في الموصل هو تدمير دلسه علينا الكبار والمرتزقة وأعوان إيران وأطلقوا عليه زوراً تحريراً!!

ويا حسرتي فلقد صفق وطبل له الكثير لكنه فصل تدميري دموي ستدفع المنطقة بأسرها تداعياته وسينالها قسط كبير من الذل والهوان جراء خنوعها ووقوفها خلف الظالم بعد أن تزف الموصل عروس المدن إلى مثواها الأخير!!

بسقوط الموصل عند دخول داعش وعند خروجها سقطت أخلاق الكثير من السياسيين والأحزاب والهيئات والمنظمات والتجمعات والجمعيات وانكشفت عنهم ورقة التوت.

خلاصة القول سادتي: إن سكان الجهة الغربية أو الموصل القديمة هم بين نارين فنصفهم أي ما يناهز الأربعمائة ألف نسمة هم مهجرون بلا مأوى يفترشون الأرض ويتهددهم الموت مرضاً وجوعاً!!

ومثلهم محاصرون في المدينة إما كدروع بشرية أو قد تقطعت بهم السبل وقد نفدت منم مؤنهم ويتلقون صواريخ الغدر بصدور عارية ويتخطفهم الموت من كل مكان.

فهل بعد فاجعة الموصل فاجعة؟ فإن لم تجمعكم الموصل اليوم فعلى الأمة السلام.