تتساءل أوروبا كلها وأمريكا معها، كيف يحمل من ولد في دولة عصرية متمدنة، الحقوق المدنية فيها مصانة، والتساوي وعدم التمييز أساس من أسس عقودها الاجتماعية، وله الضمانات الاجتماعية حتى في حالة عجزه، كيف يحمل مثل هذا فكراً متطرفاً عدوانياً يقوده لعمل إرهابي بهدف إسقاط «الدولة»؟! الجواب على سؤال أوروبا وأمريكا، إنها «العقيدة»، فالمشكلة تكمن وتقع في أي عقيدة فاسدة «إسلامية كانت أو غير إسلامية شيعية أو سنية» فأي عقيدة يعتقد صاحبها أنه ومعتنقيها المؤمنون وحدهم، وهم من سيدخل الجنة وحدهم، وهم شعب الله المختار، وهم من سيشفع لهم يوم القيامة، من يعتنق هذا الفكر يعتقد بأن الآخرين جميعهم أعداؤه، وتشغيل هؤلاء وتوجيههم للعنف له أساسه البنيوي داخل تلك العقيدة، جميعهم يعتقدون أن الدولة التي لا يحكمونها هم أو مرجعياتهم ستبقى عدوتهم، قالوا عن أنفسهم أنهم مسلمون أو مسيحيون أو غيرها، فإن هدف إقامة دولتهم سيبقى قائماً، ومهما أعطتهم الدولة ومهما منحتهم من حقوق، ستبقى غير عادلة، والدليل الإرهابيون المولودون في أوروبا أو أمريكا، تمتعوا بكل حقوقها لكنهم خانوها.

تلك الدول نسيت تهمة اسمها «خيانة عظمى» منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية حتى ظهر لها مسلمون مولودون فيها ويتمتعون بكل حقوقهم، كآدم غدن المعروف بعزام الأمريكي أو متهم من بعد الحرب العالمية الثانية يدان بتهمة الخيانة العظمى ويحاول تفجير الطائرة بوضع متفجرات في حذائه، أو كخالد مسعود البريطاني، كل هؤلاء يفجرون ويقتلون عشوائياً ويهاجمون رجال الأمن لأنهم يعملون على تقويض الأمن في الدولة.

ولدينا في البحرين إرهاب يهاجم رجال الأمن ويقتلهم لأنه يعتقد أن هذه الدولة يجب أن تسقط، وأن دولة العدل الربانية هي التي يجب أن تقوم عليها، دولة تتبع مرجعيتهم الدينية، فإن لم يملك أحدهم الجرأة على القتل فلا يسقط عنه التكليف، فليدعم القتلة وليحمهم ويوفر لهم المبررات ويمجدهم ويساعدهم بالمال وبكل ما أوتي من قوة، لنقر ونعترف ونواجه المشكلة بمسمياتها أن هذا الفكر موجود ومتغلغل في شرائح كبيرة، فكر ينشئ النشء والانسلاخ من الدولة يجد له سبيلاً في تربيته المنزلية، ومد جذور الانتماء والولاء لتصل إلى حيث يجلس المرجع الديني على عرشه هو ما يقوض الأمن دوماً عندنا، وهو أساس هذه الدورات الإرهابية المتكررة التي تظهر بين فترة وأخرى منذ الثمانينات وستعاود الظهور وستعيق أي تنمية أو حركة اقتصادية.

وهو ما دعانا للتنبيه بأنه ما لم تكن هناك قناعة أولاً عند القائمين على صنع القرار والقيادة بأن هذه المشكلة أساسية وليست ثانوية، وأنه مهما بذلت الدولة وأعطت ومنحت وساوت وما ميزت فإنها ستبقى وستظهر هذه المشكلة، لأن القضية ليست قضية «حقوق» والدليل الإرهاب الذي ظهر في أوروبا وفي أمريكا من مواطنين منحتهم الدولة كافة حقوقهم وخانوها.

أوروبا وأمريكا تناقش الفكرة علناً لا تخجل من سوءتها، وتطرح السؤال مباشرة، وإعلامها وبرلمانها وكل وسائلها التواصلية تفتح هذا الملف علناً، وتواجه المشكلة دون تردد ودون شعور بالحرج أو بالحساسية، ولا تضع رأسها في الرمال، إنهم يسألون ويبحثون ويجمعون الأدلة ويسألون كيف لمواطن ولد في أوروبا أو أمريكا أن يحارب دولته التي منحته كل ما يحلم به من حقوق؟ وذلك من أجل البحث عن معالجة جذرية، إنما نحن ندعو إلى «طاف» و«فتح صفحة جديدة» وأن الاقتصاد هو الحل، وأن السكوت وعدم الحديث أفضل لتجاوز المرحلة، وأن من يصر على المعالجة الجذرية ليسوا سوى مؤزمين وموتورين وهمهم الاستفادة من بقاء المرحلة وووو.

فإن أصررتم على دفن رؤوسكم في الرمال، فعلى الأقل تابعوا النقاش الأوروبي أو الأمريكي في هذه القضية ما دمتم ترونهم قدوة في كل شيء ربما نقلدهم يوماً في جرأتهم ومواجهتهم لمشكلاتهم.