قتلت الحشد الشعبي تناقضاته، فهو لا يعرف ما يريد، هل يرفع صوته مدافعاً عن نفسه كلما ارتكبت بندقيته الإثم، أم يرفع بندقيته لإسكات أنين المدنيين الأبرياء؟! فبعد أن تم انتشال ما يصل إلى 200 جثة من تحت أنقاض مبنى منهار بعد ضربة من قبل التحالف، اعترف الجيش الأمريكي بمقتل المدنيين العراقيين غرب مدينة الموصل. وأعلن عن تحقيق لمعرفة تفاصيل الواقعة. لكن العراقيين قالوا إن قوات التحالف نفذت غارة جوية بناء على طلب من القوات العراقية. ثم عادت خلية الإعلام الحربي العراقية لتقول إن «مقتل المدنيين كان على أيدي «داعش» الذين استخدموهم دروعاً بشرية في بنايات مفخخة ثم فجروهم». لكن الحقيقة أن من قتل الأبرياء هو نظام إدارة المعركة «BMS،«Battle Management System، حيث تملك نظم إدارة المعركة القدرة على إدارة الأحداث والتحكم فيها وتمكين القائد من اكتساب الوعي الظرفي الكامل بعرض البيانات الضرورية التي يطلبها. وقد صممت نظم إدارة المعارك معتمدة على شبكات الاتصالات والأجهزة الملاحية والتحديد الجغرافي للإحداثيات، ونجحت في إزالة بعض ضباب الحرب «Fog Of War» الذي أكده الاستراتيجي الفذ كلاوسفتز Clausewitz حيث تحدد بدقة مواقع القوى الصديقة المؤكدة والمعلومات الفرضية عن نقاط تواجد القوى المعادية. وتقدم تلك المعطيات إلى القادة لإدارة السيطرة على الأحداث في مرحلة الإعداد للعمليات قبل القتال. فهل فشل نظام التعقب الأوتوماتي للقوات الصديقة Blue Force Tracking» BFT» أم أن ضابط انتخاب الأهداف العراقي على الأرض قد أخرج المدنيين من الحماية ووضعهم في خانة الأهداف المشروعة جنباً إلى جنب شذاذ الآفاق من «داعش»؟ كما أن أهم عوامل نجاح نظام إدارة المعركة «BMS» هو القدرة على تحويل البيانات الاستخباراتية إلى ميزة معلوماتية يستفاد منها في التنفيذ، فهل تم تلقيم النظام بيانات خاطئة؟! كما يذهب المختصون إلى أن طرفي المعادلة وهما قائد مركز توجيه المقاتلات من قوات التحالف، وضابط جمع البيانات العراقي وجلهم من «الحشد» على الأرض إن لم يكن الطرفان قادرين على الربط الشبكي والتشغيل الآلي بحيث تكون دورة الرصد والتوجيه والتقرير والعمل (OODA) Observe, Orient, Decide, and Act مضغوطة من حيث الوقت فسينتهي أن يصبحوا «غير متزامنين»، فهل رحل الإرهابيون منذ زمن وتركوا المدنيين؟

* بالعجمي الفصيح:

رحم الله شهداء الموصل، لكن النزوع السريع لذريعة استخدام «داعش» للمدنيين كدروع بشرية بهذا العدد أمر من الصعوبة قبوله بيسر لقلة مقاتلي التنظيم الإرهابي. فما جرى هو تصرف بدون مرجعية للقيم الإنسانية، وما هو أشد منه أن يترك الأمر دون تحقيق.