بات جليا أن التخلص من الإرث الثقيل لسياسة الرئيس الأميركي، باراك أوباما، المتسامحة حيال النظام الإيراني، على رأس أولويات خليفته الجمهوري دونالد ترامب، الذي يسعى إلى وضع خطة عمل مشتركة مع القادة العرب للتخلص من النفوذ الإيراني في المنطقة.

ويدرك الجمهوري ترامب جيدا أن سلفه تساهل، عن عمد أو في الحد الأدنى بسبب تراخيه في معالجة ملفات منطقة الشرق الأوسط، في لجم النظام الإيراني، الأمر الذي سمح لطهران بالتمدد في المنطقة العربية عبر ميليشياتها الطائفية وتوسيع نفوذها وإظهار "عضلاتها".

وترامب على يقين أن إيران لا تعتمد حصرا على ميليشياتها المحلية لتنفيذ أجندتها التدميرية، على غرار حزب الله في لبنان والحشد الشعبي في العراق وأنصار الله "الحوثيين" في اليمن وأذرعها المتعددة في سوريا وجماعاتها بالبحرين، بل تعول أيضا على علاقتها السرية مع الإرهاب.


فالجماعات الإرهابية كداعش والقاعدة وغيرها، تعد من أبرز الذرائع التي استندت عليها إيران للتمدد في دول عربية، ما يؤكد أنها ساهمت في ظهورها في دول بعينها، لكي تعطي "شرعية" لتدخلها، تتمثل في الادعاء بمحاربة الإرهاب.

والمثير في هذه الجماعات المتشددة، أنها تظهر في دول عربية لطهران فيها نفوذ وميليشيات ومطامع، أسوة بما حدث في العراق صيف 2014، حين فوجئ العالم باحتلال داعش لمساحات واسعة في المحافظات ذات الأغلبية السنية.

وسمح هذا الظهور المشبوه في عهد رجل طهران الأول في العراق نوري المالكي، في تشكيل قوة موازية للجيش والأمن والشرطة مرتبطة مباشرة بالولي الفقيه، تسمى الحشد الشعبي لتضرب إيران، بذلك، مسمارا جديدا في نعش "هيبة الدولة العراقية".

وداعش العراق كداعش سوريا، جاء لخدمة المشروع الإيراني، إذ بات العنوان الأبرز الذي يبرر انتشار ميليشيات إيران بسوريا وتحويل مسار الأزمة من تغيير النظام إلى إغراق البلد في فوضى الإرهاب، ما يتيح لها لعب دور المنقذ الساعي في القوت نفسه لفرض شروط الحل.

وتعكس تصريحات المسؤولين في إدارة ترامب، رفض العهد الجديد لطريقة أوباما في تناول الأزمة السورية، وهذا ما أكدته سفيرة الولايات المتحدة، نيكي هيلي، قبل أيام، حين قالت إن أولوية واشنطن في سوريا تشمل تحجيم النفوذ الإيراني وحماية الحلفاء.

وفي اليمن، كان تنظيم القاعدة، الذي أثبتت تقارير دولية عن تلقي قادته الدعم الإيراني طيلة السنوات الماضية، وداعش يرفدان ميليشيات الحوثي وصالح المتمردة، ففي المناطق التي تحررها القوات الشرعية بدعم من التحالف العربي توكل مهمة زعزعة الأمن للإرهاب.

ووقفت إدارة أوباما متفرجة أمام إمعان إيران في نشر الفوضى والإرهاب في المنطقة، واحتلال 4 عواصم عربية (بيروت صنعاء بغداد دمشق)، الأمر الذي أدى إلى ضرب العلاقات الأميركية مع الدول العربية الفاعلة التي حملت لواء الدفاع عن وحدة ومستقبل المنطقة.

ولم يكتف أوباما بذلك، بل أبرم مع طهران الاتفاق النووي "السيئ"، وفق وصف ترامب، وهو ما سمح بالإفراج عن أموال إيرانية ستذهب إلى تمويل الإرهاب والميليشيات الطائفية، التي باتت، على غرار حزب الله، بديلا للجيش و"البعبع" الذي تهدد فيه إيران الأصوات الوطنية.

ويعول القادة العرب على إدارة ترامب في تغيير هذا المشهد الشاذ، وبدا ذلك واضحا في التصريحات التي خرجت عقب لقاء ولي ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، والرئيس الأميركي في النصف الأول من مارس الماضي.

فمستشار ولي ولي العهد السعودي كان حاسما، حين قال إن اللقاء "أعاد الأمور لمسارها الصحيح"، وأجمع خلاله الطرفان على "خطورة التحركات التوسعية في المنطقة" لإيران التي "تحاول كسب شرعيتها في العالم الإسلامي عبر دعم المنظمات الإرهابية".

وقبل شهر تقريبا على هذا اللقاء، اجتمع ترامب، في واشنطن بالعاهل السعودي، الملك عبدالله، الذي كان أول من حذر من تمدد النفوذ الإيراني، وذلك في 2004 أي بعد نحو عام على غزو الولايات المتحدة للعراق، وهي الخطوة التي سمحت لاحقا لإيران بالسيطرة على بغداد.

ولمحاولة تصحيح الأمور في العراق التي شهدت تعاونا عسكريا، طيلة السنوات الماضية، بين طهران و"عدوتها المفترضة" واشنطن، كان ترامب التقى، في 20 مارس الماضي، رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، الذي اعتبر أن الرئيس الحالي أكثر جدية من سلفه على صعيد محاربة الإرهاب.

ويبدو أن ملف احتواء إيران، سيفرض نفسه أيضا على القمة المرتقبة في واشنطن غدا الاثنين، بين ترامب والرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، الذي كان قد دعا قبل أيام، في كلمته بالقمة العربية بالأردن، العرب إلى اتخاذ موقف حاسم من التدخلات الخارجية، في إشارة إلى طهران.

وبالطبع لن يغيب الصراع العربي الإسرائيلي عن لقاء البيت الأبيض، فالسيسي، استبق، زيارته إلى الولايات المتحدة، بعقد قمة "ثلاثية" جمعته بالعاهل الأردني، والرئيس الفلسطيني، محمود عباس، لتنسيق المواقف بشأن القضية الفلسطينية.

ويكتسي نقاش القضية الفلسطينية بين السيسي وترامب أهمية خاصة، لاسيما أنه يأتي بعد أن أكد الزعماء العرب، في نهاية القمة، على حق الفلسطينيين "إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية".

وسيعقب القمة المصرية-الأميركية، لقاء ثان يجمع ترامب والعاهل الأردني في 5 أبريل الجاري، على أن يلتقي الرئيس الأميركي في وقت لاحق من الشهر نفسه عباس، ما يشير إلى حرص الإدارة الأميركية الجديدة على التواصل مع العرب والتخلص من إرث أوباما الثقيل.