قال استشاري الطب النفسي في مركز (مطمئنة) د.عبداللطيف حمادة إن الاكتئاب هو اضطراب واسع الانتشار ويأتي في المرتبة الثالثة عالمياً، بعد الأمراض التنفسية والأمراض المعوية وقد يحتل المرتبة الأولى من حيث الانتشار بعد عقد من الزمن، أي أنه سيتقدم بذلك على أمراض القلب وحوادث المرور، وقد حمل يوم الصحة العالمي الذي يحتفل به في السابع من شهر أبريل كل سنة شعار (دعونا نتحدث عن الاكتئاب)".

وأوضح أن 10% من الأمراض العضوية أسبابها نفسية، وبالمقابل هنالك العديد من الأمراض العضوية تسبب أمراضا نفسية، فمثلاً هناك 18 - 20% من مرضى السرطان، و30-40% من مرض الشلل الارتعاشي، ونسبة كبيرة من مرضى هبوط الغدة الدرقية يعانون من إضطراب الاكتئاب، ووجد أن نسبة الوفيات الناجمة عن مرض القلب المصحوب بالاكتئاب تصل إلى 15%، كما يتسبب الاكتئاب في العديد من الأمراض الخطيرة كالجلطات الدماغية والقلبية والسرطان.

وأضاف "أثبتت الدراسات أن اضطرابات المزاج شائعة جداً على مستوى العالم ويأتي الاكتئاب في مقدمتها حيث حصل على أعلى نسبة انتشار تصل إلى 17% وتختلف باختلاف المجتمع فتتراوح بين 5-17%، أما نسبة انتشار الاكتئاب في دول الخليج العربي، ومملكة البحرين من بينها فهي لا تختلف كثيراً عن المعدلات العالمية، فقد أوضحت معظم الدراسات التي أجريت في تلك الدول أن النسبة تتراوح بين 20-25% باستثناء دراسة واحدة تجاوزت تلك النسبة بقليل".


وذكر أن الاكتئاب أكثر انتشاراً بين النساء مقارنة بالرجال على مستوى العالم والسبب في ذلك يرتكز على فرضية الاختلافات الهورمونية وتأثير الولادات واختلاف طبيعة الضغوط النفسية والاجتماعية التي يتعرض إليها كل منهما إضافة إلى اختلاف ردة الفعل الناجمة عن الشعور بالعجز"، مشيراً إلى أن "متوسط عمر الإصابة بالاكتئاب هو 40 سنة على الرغم من أن 50% من المرضى يصابون به بين 20-50 سنة، وممكن أن يظهر في الطفولة أو الشيخوخة".

وأكد بينت الدراسات الحديثة أن الاكتئاب قد يتزايد انتشاره بين الشباب الذين تقل أعمارهم عن 20 عاماً ربما بسبب تزايد استخدام الكحول والعقاقير والمخدرات بين أفراد تلك الشريحة العمرية، كما يحصل الاكتئاب غالباً لدى الأشخاص المنعزلين اجتماعيا أو المطلقين أو المنفصلين، ورغم أن نسبة انتشار الاكتئاب، والانتحار متقاربة بين جميع المستويات الاجتماعية والاقتصادية للأشخاص، إلا أنه وجد بكونه أكثر ميلاً للانتشار في المناطق الريفية أو الفقيرة، ويتزايد خطر إصابة مريض الاكتئاب باضطرابات مصاحبة كتعاطي الكحول والإدمان على المخدرات واضطراب الهلع والوسواس القهري والرهاب وغيرها بسبب طبيعة المرض، ويفاقم وجود الإدمان واضطرابات القلق مرض الاكتئاب ويجعل مآله اكثر سوءاً ويزيد من خطر الانتحار".

وبين أن دراسات علمية أظهرت مؤخراً أن سبب الاكتئاب المباشر هو ناجم عن تغيرات بيولوجية في الدماغ، حيث تلعب النواقل العصبية كالسيروتونين والنورابينفرين والدوبامين دوراً مهماً في ذلك، ويعتقد بأن نشاط الأخير ينخفض في الاكتئاب كما أدى اكتشاف مستقبلات ثانوية للدوبامين في الدماغ إلى تفسير أكثر لعلاقة الدوبامين وعلاقة نواقل أخرى مثل الاسيتايلكولين والكابا باضطراب الاكتئاب".

وقال "قد يسبب تغير النظام الهورموني في الجسم مرض الاكتئاب خصوصاً اضطراب الغدة الدرقية، حيث وجد أن 5-10% من الذين تم تشخيصهم كحالات اكتئاب لديهم هبوط في وظائف الغدة الدرقية، ولاضطرابات النوم علاقة مباشرة بالاكتئاب من خلال زيادة الاستيقاظ الليلي وقلة فترة النوم وزيادة النوم الخفيف وزيادة حرارة الجسم"، مشيراً إلى أن الوراثة تبقى عاملاً مؤهلاً هاماً ومؤثراً في ظهور الاكتئاب، فإذا كان أحد الأبوين مصاباً بأحد اضطرابات المزاج فإن خطر احتمال إصابة الطفل بواحد من تلك الاضطرابات ستكون 10-25%، أما إذا كان كلا الأبوين مصاباً بها فسيكون الخطر 20-50%.

وحول أحداث الحياة الضاغطة نوه بأنها "تلعب دوراً في الإصابة بالاكتئاب، إضافة إلى العوامل الشخصية ورغم أنه ليس هنالك شخصية محددة تؤدي إلى الإصابة بالاكتئاب إلا أن الشخصية الوسواسية والهستيرية والحدية أو البينية تكون في خطر أكبر للإصابة به مقارنة بالشخصيات الأخرى، مضيفاً د.عبداللطيف "يتردد 70% من مرضى الاكتئاب على الأطباء الباطنيين والاختصاصات الأخرى لشعورهم بأعراض مختلفة كالصداع وآلام الصدر والظهر والدوار والإرهاق، ولأن الاكتئاب هو أكثر عامل نفسي قد يسبب الانتحار على مستوى العالم.

ودعا إلى استشارة الطبيب النفسي عند تكرار الشعور بفقدان اللذة بالأشياء أو عند الشعور بعدم وجود أي سبب للسعادة إلى جانب الشعور المتكرر بالإعياء وصعوبة التركيز مع استمرار تلك الحالة لفترة لا تقل عن أسبوعين، حيث إن تشخيص مرض الاكتئاب يحتاج إلى خمسة أعراض صغرى مجتمعة مع ضرورة وجود أحد الأعراض الكبرى كالمزاج المكتئب أو فقدان اللذة بكل شيء.

وتابع "من الأعراض الصغرى للاكتئاب التي تتواجد في أغلب ساعات اليوم تقريباً وكل يوم تقريباً هي الحزن واليأس ووجود أو عدم وجود نوبات البكاء وانخفاض واضح في الدافعية وفقدان الوزن مع زيادة أو قلة الشهية والأرق أو كثرة النوم وكثرة الاهتياج والعصبية والكسل والإرهاق والشعور بالذنب والندم وانعدام تقدير الذات وتوبيخها وعدم الانتباه والتركيز مع وجود أفكار متكررة حول تمني الموت أو الانتحار مع أو بدون التخطيط لذلك وقد تصل الحالة إلى محاولة الانتحار فعلا وقد تصاحب الاكتئاب أعراض ذهانية كالأوهام والهلاوس، وتتسبب أعراض الاكتئاب بعضها أو كلها بتدهور وظيفي وعائلي واجتماعي وصحي وعاطفي وزواجي وديني ومالي وغيرها من جوانب الحياة".

وبين "مما تقدم يتضح أن علاج اضطراب الاكتئاب هو ضرورة ملحة ولكون سببه المباشر ناجم عن تغيرات بيولوجية في الدماغ كما نوهنا آنفاً لذا فإن مرض الاكتئاب هو مرض نفسي قابل للعلاج، ويشتمل علاج الاكتئاب على عدة أهداف مهمة أولهما ضمان سلامة المريض، وثانيهما تقييم تشخيصي كامل للحالة وثالثهما وضع خطة علاجية للحالة الآنية والمستقبلية للمريض، ورغم أن علاج الاكتئاب الأساسي هو العقاقير فهنالك ما يزيد على 45 عقاراً لعلاج الاكتئاب تعطي أكثر من 80% من التحسن خلال فترة وجيزة من استخدامها، حسب حالة المريض إضافة إلى أهمية الجلسات النفسية العلاجية المكملة للعلاج بالعقاقير، وكلما كان الدواء ذا فاعلية عالية خلال مدة استخدام محدودة ورخيص الثمن ولا يتقاطع مع الأدوية الأخرى، وقليل الأعراض الجانبية سيزيد من تمسك المريض به أكثر، فهنالك 70% من المرضى في العالم يتوقفون عن العلاج بسبب الأعراض الجانبية أو الخوف منها بسبب قراءة النشرة الداخلية للدواء أو مواضيع متفرقة منشورة على الإنترنت أو تأثير الأهل والمعارف، وهنالك 50% من مرضى الاكتئاب لا يحصلون على العلاج لغلاء سعره.

وأضاف "يبقى خيار التنويم في المستشفى قائماً لمرضى الاكتئاب حسب تقييم الطبيب النفسي في حالات معينة وحسب شدتها كوجود خطر الانتحار أو خطر القتل أو عدم تناول الشراب والطعام أو عدم حماية النفس أو التوغل في سلوكيات متهورة وخطرة أو ظهور أعراض ذهانية"، مضيفاً "ومن الأهمية بمكان أن نعلم أن الاكتئاب مرض ليس ناجم عن التفكير السلبي وانعدام الثقة بالنفس وضعف الإيمان وغير ذلك كما يعتقد البعض، بل العكس هو الصحيح إذ إن مرض الاكتئاب هو من يتسبب بالتفكير السلبي وانعدام الثقة بالنفس وتدهور في جوانب الحياة فهو مرض بحد ذاته سببه المباشر هو تغيرات بيولوجية في الدماغ على الرغم من تعدد العوامل المؤهلة، ومرضى الاكتئاب قادرون على التخلص منه تحت إشراف الطبيب النفسي".