جاء قرار جماعة إيتا الانفصالية في إقليم الباسك تسليم أسلحتها للسلطات ليضع نهاية لكفاح مسلح أستمر أكثر من 40 عاماً وأكسبها شهرة كواحدة من أكثر الحركات الانفصالية عناداً في أوروبا.

ولن يؤدي تسليم قائمة بمخابئ الأسلحة والذي تم في مدينة بايون الفرنسية إلى حل المنظمة التي أعلنت وقف إطلاق النار عام 2011 بعد أن قتلت أكثر من 850 شخصاً خلال حملتها من أجل إقامة دولة مستقلة في شمال أسبانيا وجنوب غرب فرنسا.

لكنه سيقطع الصلة بعهد من العنف السياسي في أوروبا الغربية في وقت تتنامى فيه المشاعر القومية تحفزها دوافع ديمقراطية في مختلف أنحاء القارة.



إذ تطالب اسكتلندا وإقليم قطالونيا الأسباني بإجراء استفتاء على الاستقلال في حين أن حركة شين فين تطالب بإجراء استفتاء على فصل ايرلندا الشمالية عن بريطانيا.

وكانت مشاعر الغضب بين أهل إقليم الباسك من القمع السياسي والثقافي في عهد الجنرال فرانشيسكو فرانكو قد أدى إلى تأسيس حركة ايتا عام 1959.

وعقب عودة أسبانيا للحكم الديمقراطي في السبعينات حصل إقليم الباسك على قدر أكبر من الحكم الذاتي وتسبب استمرار الحركة في التفجيرات والاغتيالات في تراجع التأييد الشعبي لها.

وقالت ايتا في رسالة إلى هيئة الإذاعة البريطانية (بي.بي.سي) إنها سلمت أسلحتها ومتفجراتها إلى وسطاء مدنيين سيتولون تسليمها إلى السلطات.

وقال المتحدث باسم برلمان الباسك في حزب الشعب الحاكم في أسبانيا الذي يرفض التفاوض مع ايتا ويطالب بحلها بالكامل إن تسليم السلاح استسلام نهائي بعد ست سنوات من وعود لم تتحقق.

وقال بورخا سمبر خارج مقر البرلمان في فيتوريا جاستيز "حركة ايتا التي عهدناها حتى الآن اختفت إلى الأبد، ما يتبقى هو محو الكراهية التي زرعتها ايتا في جزء كبير من مجتمع الباسك".

وقال مصدر حكومي إن مدريد لا تصدق أن الحركة ستسلم كل أسلحتها وطلب المدعي العام الأسباني من المحكمة العليا فحص الأسلحة التي تم تسليمها لمعرفة ما إذا كانت قد استخدمت في جرائم قتل لم تحل قضاياها حتى الآن. ويقول الصحفي بادي وودويرث مؤلف كتاب "الحرب القذرة والأيدي النظيفة" عن حركة ايتا مشاعر الاشمئزاز العام من مستوى العنف في هجمات المتشددين الإسلاميين وحملات التضييق التي تشنها الشرطة في أسبانيا وفرنسا ساعدت في إضعاف صورة نشاط الحركة.

وقال لرويترز "لم تعد (ايتا) منظمة تتمتع بما كان لها من جاذبية في جلب أعضاء جدد. فقد اتضح إفلاس ... الاستراتيجية المسلحة للقوميين اليساريين التي ترجع إلى الستينات".

الماضي العنيف كان أول ضحية معروفة لايتا أحد قادة الشرطة السرية في سان سيباستيان عام 1968.

وكان آخر ضحية شرطي فرنسي أطلقت عليه الجماعة النار في عام 2010.

وبعد ذلك بعام اختارت الحركة ألا تلقي السلاح عندما أعلنت الهدنة لكنها ضعفت بشدة في السنوات الأخيرة بعد القبض على مئات من أعضائها في عمليات أسبانية فرنسية مشتركة وضبط أسلحة.

وفي لفتة رمزية عام 2014 نشرت الحركة لقطات فيديو تبين بعض أعضائها الملثمين وهم يسلمون كميات محدودة من السلاح.

وقال وودويرث إنه رغم صعوبة اقتفاء أثر بقية ترسانتها من السلاح فربما تضم مئات من الأسلحة النارية وكميات أكبر من المواد المتفجرة "قد تكون أكثر 20 أو 100 مرة" من الأسلحة التي سلمت في اللفتة الرمزية.

وكانت أول حركة ثورية رمزية من جانب ايتا رفع "إيكورينا" علم الباسك المحظور بلونيه الأحمر والأخضر قبل أن تتصاعد الحملة في الستينات وتتطور إلى عنف قوبل برد وحشي في قسوته من جانب نظام فرانكو.

وفي عام 1973 استهدف التنظيم لويس كاريرو بلانكو وريث فرانكو في الحكم بحفر نفق تحت طريق كان يمر فيه كل يوم لحضور قداس.

وكدس أفراده المتفجرات في النفق وفجروها فطارت سيارة بلانكو لتستقر على مبنى مكون من خمسة أدوار وقتل هو في الحال.

وحول اغتياله مسار التاريخ إذ أدت إزاحة وريث فرانكو إلى مطالبة الملك المنفي بالعرش ودفعت بأسبانيا إلى أن تصبح دولة ملكية دستورية.

وفي ذروة أحداث العنف روعت أسبانيا بهجمات كان من بينها تفجير سيارة ملغومة عام 1987 في سوبرماركت في برشلونة ما أسفر عن مقتل 21 شخصاً من بينهم امرأة حامل وطفلان.

وأثار ذلك صيحات استنكار على المستوى الدولي.

وفي مارس آذار عام 2006 دعت حركة ايتا إلى وقف دائم لإطلاق النار لكن هذه الهدنة أفسدها تفجير قنبلة ضخمة في موقف للسيارات في مطار مدريد في ديسمبر من ذلك العام قتل فيه مهاجران من الاكوادور.

وقال أحد ضحايا ايتا يدعى جوركا لاندابورو، كان قد فقد أصبعا وإحدى عينيه في انفجار رسالة ملغومة ببيته عام 2001، إنه يرحب بإلقاء السلاح وأضاف أنه تم استخلاص الدروس.

وقال وهو يقف على شاطيء البحر في منتجع سان سيباستيان بإقليم الباسك "يجب أن يتكرر ذلك في بلدنا. وأرجو ألا يرفع أحد مسدسات أو قنابل للدفاع عن فكر عقائدي مرة أخرى".