عدد ساعات اليوم 24 ساعة، أما عدد ساعات الرابع من أبريل -وهو اليوم الذي صادف عدداً من الفعاليات المهمة في تاريخ المؤسسة الخيرية الملكية- فقد اختلف وكأنه بدأ قبل تسع سنوات عندما بدأنا العمل في تنمية موارد المالية للمؤسسة ووضع تصور لإنشاء مشروعات استثمارية، فمرت كأنها لحظات كما هي الساعات الجميلة والسعيدة.

ففي هذا اليوم التاريخي تشرفنا بزيارة جلالة الملك المفدى، وفي نفس اليوم تشرفنا بافتتاح أبراج الخير من قبل سمو الشيخ ناصر بن حمد آل خليفة ممثل جلالة الملك للأعمال الخيرية وشؤون الشباب رئيس مجلس أمناء المؤسسة الخيرية الملكية بحضور جمع من الوزراء ورؤساء الشركات والبنوك، بالإضافة إلى تشرفي بتكليف من سمو الشيخ ناصر بن حمد آل خليفة بالجلوس مع أحد كبار ضيوف البلاد من بيت الزكاة والصدقات المصري للاستفادة من تجربة مملكة البحرين في العمل الخيري والإنساني الثرية، وكان من المقرر أن تكون مدة اللقاء 10 دقائق فقط لانشغال الضيف بلقاءات والتزامات رسمية كبيرة، ولكن استمتاعه بمبادرات جلالة الملك الإنسانية وقيادة سمو الشيخ ناصر بن حمد آل خليفة للعمل الخيري والأسلوب الإداري المتبع في عمل المؤسسة، الذي جعلها مقصداً ومثالاً يحتذى وتجربة مثلى، جعل الجلسة تمتد إلى أكثر من ساعة ونصف.

لذا أترك للقارئ الكريم تقدير عدد ساعات هذا اليوم.


وعوداً على بدء سأبدأ بافتتاح أبراج الخير، هذا المشروع الخيري الرائد والذي يسجل في صفحات تاريخ العمل الخيري في مملكة البحرين بحروف من ذهب، فعندما كان سموه يسحب الستار عن اللوحة التذكارية ليعلن عن افتتاح هذه الأبراج بجمالها وأهدافها النبيلة، عادت بي الذاكرة إلى ما قبل السنوات التسع في أول اجتماع لسمو الشيخ ناصر بن حمد آل خليفة مع مجلس أمناء المؤسسة، وأثناء مناقشة تطوير موارد المؤسسة أبلغنا سموه عن استعداده لإرسال خطاب شكر خاص من سموه شخصياً إلى كل شخص يتبرع ولو بدينار لصالح الأيتام، فلم يكن الهدف هو الدينار وإنما كان سموه ينظر إلى تثبيت مبدأ الشراكة المجتمعية في عمل المؤسسة الخيرية الملكية، وصدقت رؤية سموه حيث فاق تعاون المجتمع والتفاعل مع مشروعات المؤسسة توقعات الجميع.

وطافت بي الذاكرة وأنا في ذلك الموقف عند وضع الاستراتيجية، حيث حرص سمو الشيخ ناصر بن حمد آل خليفة على عرض الاستراتيجية من قبل سموه شخصياً في قصر القضيبية على القطاع الخاص ورجال الأعمال والجمعيات، وبدأنا في تنفيذ برامج لتحقيق حلم توفير محفظة استثمارية تتكون من عقارات وأسهم ونقد لصالح الأيتام، وكانت البداية التركيز على المساعدات الشهرية، ثم كانت الانطلاقة نحو المشروعات الاستثمارية والتنموية بخطط مدروسة لعرضها على جلالة الملك، وانتقلنا بعدها إلى برامج تنموية محلية مثل مركز ناصر للتأهيل والتدريب المهني ومبنى الحد الاستثماري الخيري وغيرها من المشروعات التي كانت نواة لهذه الأبراج وانطلاقة نحو هذا البناء الخيري الشامخ.

وعندما وقفت أمام كبار الشخصيات ممن ساهموا في بناء الأبراج، لإلقاء كلمتي في يوم افتتاح الأبراج لم يكن بإمكاني شكرهم جميعاً بالاسم لكن نظراتي واحتضاني لهم بيدي كانت كافية لتوصل لهم رسالة شكر وعرفان، وبينت أن الجميع يملك سهماً في هذا المشروع الخيري الذي أنشأه جلالة الملك ليكون مشروعاً مشتركاً للجميع.

وتتويجاً ليوم تاريخي رائع جميل حيث تزامن يوم اليتيم العربي مع يوم افتتاح أبراج الخير مع تشرفنا بزيارة جلالة الملك المفدى، حيث كانت الأجواء الجميلة واللقاء الأبوي الرائع والسنة الحميدة التي سنها جلالته منذ أكثر من 17 عاماً حيث يحرص جلالته على الالتقاء بالأيتام شخصياً ليطمئن عليهم ويتفقد أحوالهم، ويوجههم بكلمات وحنان أبوي فريد، فكان لقاء أبوياً رائعاً خصوصاً عندما نرى جلالته يشجع الأيتام ويتحدث إليهم بكل بساطة وعفوية وتواضع جم كبير ليدخل الفرحة في قلوبهم، ويرسم البسمة على وجوههم البريئة ويجلس بينهم ويمازحهم بحنان وتبسم جميل على محياه حفظه الله ورعاه، ويمسح على رؤوسهم تطبيقاً لقول الرسول الكريم "من مسح رأس يتيم لم يمسحه إلا لله كان له بكل شعرة مرت عليها يده حسنات" فكنت أتساءل كم شعرة مرت عليها يد جلالته الكريمة؟ وكم حسنة كتبها الله لمليكنا المفدى؟ وكيف يكون شعور الأبناء عندما يشعرون بيد جلالته حفظه الله ورعاه وهي تمسح على رؤسهم؟ فكنا نغبطهم ونتمنى أن نقف معهم لننعم بتلك السعادة البريئة.

ولن أبوح سراً إن أعلنت عن مدى تأثر الأمهات بأريحية جلالة الملك المفدى مع الأيتام عبر التغطية الإعلامية المميزة من هيئة شؤون الإعلام لهذا الحدث الإنساني.

وفي هذا المجلس المبارك الكريم شرفني سمو الشيخ ناصر بن حمد آل خليفة بإلقاء كلمة نيابة عن سموه، رغم رغبتي وإعلاني صراحة بأن يكون سموه هو المتحدث لأنه صاحب الفكر والرؤية وفارس وشاعر وأديب وصاحب صوت جميل مميز في الإلقاء، وقد قلت ذلك صراحة أمام جلالة الملك المفدى حفظه الله ورعاه، إلا أن سموه منحني هذا الشرف فبدأت بالحديث أمام جلالة الملك المفدى، والحمد لله استطعت أن أعبر عما في قلبي نحو جلالته وما يشعر به الجميع نحو جلالته وما يكنونه من حب كبير، ووضحت أن إنجازات المؤسسة كبيرة والجوائز العالمية والمحلية التي حصلنا عليها كثيرة ولا نريد أن نحصي تلك الجوائز والشهادات، ولكن الجائزة الكبرى بالنسبة لنا هي عندما ترفع أم أيتام يدها لتدعو لجلالة الملك بالصحة وطول العمر والأمن والأمان، فهذه هي جائزتنا ورد مناسب للجميل.

ثم تشرفنا بإهداء جلالة الملك لوحة فنية لجلالته وهو يتوسط اللوحة كالشمس المشرقة تضيء الأجواء من حوله، والنهر الذي سمي نهر الخير، لأنه رمز للعطاء يسقي الزرع ويوصل الخير للأيتام والأرامل والمحتاجين، وهالة النور من حول وجه جلالته عبارة عن دعوات الناس بأن يحفظ الله جلالته ويمده بالصحة والطمأنينة والأمان، وكانت قمة سعادتي عندما أعجب جلالته باللوحة وبفكرتها.

وها أنا أقف الآن بكل فخر واعتزاز لأسرد هذه السطور وأتذكر الساعات والأوقات الجميلة أثناء إعدادنا وعملنا الممتع في المؤسسة الخيرية الملكية تحت قيادة سمو الشيخ ناصر بن حمد آل خليفة للعمل على تحقيق رؤية وتطلعات سيدي جلالة الملك المفدى حفظه الله ورعاه من أن يكون العمل الخيري الذي تقوم به المؤسسة مصدر إسعاد للجميع فلا يحس أحد بالحاجة أو العوز.

أسأل الله العلي القدير أن يجزي جلالة الملك المفدى على عمله وعطائه خير الجزاء وأن يمدنا بعون منه سبحانه لنكون عند حسن ظن جلالته بنا وامتداداً ليده البيضاء في عمل الخير ومساعدة المحتاجين في شتى بقاع الأرض.

بقلم: د.مصطفى السيد

الأمين العام للمؤسسة الخيرية الملكية