منذ قدوم الرئيس دونالد ترامب وتربعه على كرسي البيت الأبيض وصدى تصريحاته النارية عند حملته الانتخابية وإصراره على تطبيق بعض منها والمتعلقة في إعادة النظر في سياسة سلفه باراك أوباما في الشأن الداخلي الأمريكي كملف التأمين الصحي والضرائب وملف اللجوء والهجرة وكذلك ملف السياسة الخارجية وما خلفته من فوضى واضطرابات خاصة في قضايا الشرق الأوسط مازالت تتفاعل في الأوساط السياسية والمحافل الدولية، والعالم مترقب ومشدود الأعصاب لما قد يحدث من تطورات وربما تصعيد خطير قد ينزلق العالم بعده إلى نقطة اللا عودة والانحدار السريع غير محسوب النتائج، خصوصاً أن الصراع الذي لا قدر الله أن وقع فهو بين القوى العظمى التي تحركها مصالحها مما قد يفضي إلى فوضى عارمة تكاد تكون معها كل الحروب السابقة كتسلية ولعب أطفال!

والعالم بأجمعه منقسم بين مصدق لتلك الوعود ومترقب بحذر شديد متى ستأخذ تلك الملفات المعقدة دورها على طاولة مراكز القرار الأمريكي لتدخل حيز التنفيذ بعد طول انتظار وإهمال لكثير منها بقصد أو بغير قصد، مما كان له بالغ الأثر في تأزم تلك الملفات وأعطت انطباعاً سيئاً ومحبطاً لدى المتابعين للسياسة الخارجية الأمريكية، وظن الكثير منهم أن الولايات المتحدة الأمريكية قد أصابها العقم وهي في طريقها إلى التراجع القسري أمام باقي القوى والدول الكبرى شأنها شأن الإمبراطورية البريطانية التي شاخت بعد عظمة وأفل نجمها!!

وعلى الجانب الآخر يقف الفريق الثاني والذي لا يثق تماماً بالسياسة الأمريكية المراوغة وهم لا يكترثون إن كان الرئيس الأمريكي وإدارته من الحزب الجمهوري أو الديمقراطي فهما وجهان لعملة واحدة مصكوكة في الغرف الماسونية العميقة وأن الرئيس لديه هامش بسيط من التصرف لا يمكنه تجاوزه وخاصة في رسم وتنفيذ السياسة الخارجية واقتصاديات العالم وسبل الاستحواذ عليها وأن كل ما يتم ترويجه إعلامياً من امتعاض مفتعل للإدارة الجديدة عن كيفية التعاطي مع الملف المعني لا يعدو جعجعة وتضليلاً للرأي العام العالمي، فالأصل والهدف واحد ووجه الخلاف في كيفية الوصول إليه!!

وكلا الفريقين له بحوثه ودراساته وأدلته المقنعة!!

لكن دعونا من كلا الفريقين ومعطياتهما فذلك أمر في غاية التعقيد ودولة عظمى كأمريكا مخطئ جداً من يدعي معرفته ما يعد في أروقتها.

ولنجرِ مقارنة في كيفية تناول الرئيس ترامب وطاقمه للملفات الأكثر سخونة وحرجاً وهي الملفات الإيرانية والعراقية والسورية والتركية ومنطقة الخليج العربي مع ما كان يحدث إبان عهد سلفه أوباما علنا نستطيع ولو بالقدر اليسير معرفة أين تتجه السياسة الأمريكية وأين موقعنا منها؟

ولنبدأ بحليف أوباما للعقد الماضي وهو أحد أقطاب محور الشر «النظام الإيراني»، حسب تصنيفهم لا تصنيفنا، فمن المعطيات على الساحة يبدو أن ترامب جاد في تحييد إيران لكن دون الدخول معها في مواجهة، وأرى أن النظام الإيراني قد استلم إشارات قوية بهذا الشأن لكنهم في خشية من الغدر الأمريكي، ومازال لم يتلق التطمينات بعد وخاصة في مواضيع شائكة يتقدمها الملف النووي، ودعم المعارضة الإيرانية بقيادة مريم رجوي، والموقف من انتفاضة الأقليات وما يجري في الأحواز العربية وانتهاكات حقوق الإنسان، وهو ما يحاول النظام التكتيم عليه والغليان الداخلي والفقر، مقابل التنازل عن بعض مكتسباته في العراق وسوريا وسحب عملائها بطريقة دبلوماسية أو دراماتيكية، وهي من تقدر ذلك والمسألة مسألة وقت وبترتيب يحفظ ماء الوجه للأطراف، ليدخل ذلك الحليف بعدها في صفقة جديدة تبقيه حليفاً لكنه محدود الصلاحية والامتداد!!

أما فيما يخص الملف العراقي فإن ذلك الملف أصبح ضاغطاً على الإدارة الأمريكية، ويبدو أن الاتفاق بين أوباما والنظام الإيراني قد انتهت جميع فصوله وملحقاته، وأن أي حلول أمريكية سوف لن يكتب لها النجاح بوجود هذه الطبقة الفاسدة التي ما كان يجب أن تستمر طيلة 14 عاماً أفقرت البلاد ومزقته دون تغيير، وأن الإدارة الأمريكية متيقنة تماماً باستحالة إزاحة تلك الطبقة الفاسدة، وأن ذلك ليس بمقدور أي ثورات داخلية أو أي قوة محلية، فمن هذا المنطلق دفعت الإدارة الأمريكية مرة أخرى وعلى مدى الأشهر الماضية بعشرات الآلاف من قواتها المدججة ومعداتها الثقيلة والجسر الجوي، واستدعت العبادي على عجالة لإبلاغه بقائمة نقاط يبدو من الاستحالة عليه تنفيذ أي نقطة منها دون قوة مفرطة تدعمه، وقد أعدت له تلك القوة، وهذا ما استخلصته قيادات الحشد الشعبي وتمترست منذ عودة العبادي، فالأجواء مشحونة جداً في بغداد وتصريحات وصراخ قيادات «الحشد الشعبي» والميليشيات تفسر الكثير من حلقات الصراع المرتقبة، وما يؤخر الانفجار هو معارك الموصل التي تخطط الإدارة الأمريكية بإنهاء فصولها بأي ثمن ولا يضر معها ارتفاع الضحايا بين المدنيين وتجريف المدينة بالكامل وتهجير جميع سكانها، وللحديث بقية.