الحوادث المرورية القاتلة في أي دولة من دول العالم معضلة كبيرة كونها تتسبب بكوارث وخسائر أهمها الخسائر البشرية، لذا فمن حق كل دولة وتبعاً لخصوصية جغرافيتها وظروفها أن تبتكر الطرق والوسائل التي تضمن وقاية الناس من هذه الحوادث والكوارث.

وابتكار الطرق والوسائل يعني أن أشخص أولاً سبب المشكلة، ثم أجد حلولاً لها، لا أن أضع حلاً قد يكون بعيداً تمام البعد عن أساس المشكلة أو عن إمكانية تطبيقه على أرض الواقع!

إحداهن تقول: صادف أن جلسنا مع مسؤول عن شؤون خدمية في أحد اللقاءات العامة فعلق قائلاً لهم أثناء الحديث والتذمر عن ازدحامات الشوارع «أحسن حل سويناه حق نخفف الزحمة زدنا قيمة المخالفات المرورية ورفعنا أسعار البترول!»، هل هذا حل؟ وكأن معنى كلام المسؤول «علاج الزحمة لما تقعدون في بيوتكم ولا تطلعون!».

ألم تفكروا في الناس المرضى الذين يتوجهون بشكل شبه يومي إلى العيادات الطبية ومراكز التأهيل والعلاج الطبيعي؟ ألم تفكر بالطلبة والموظفين الذي نصف طاقتهم تمضي وهم عالقون في الازدحامات المرورية الخانقة يومياً؟ ألم تفكر في اقتصاد البحرين الذي سيتأثر بالطبع جراء هذه الأوضاع التي تمثل بيئة منفرة لرؤوس الأموال والاستثمارات؟ هل انتهت الحلول والمقترحات والدراسات ووجدت أن أسرع حل من وجهة نظرك زيادة قيمة البترول والمخالفات لتكون عبئاً إضافياً على المواطن المغلوب على أمره؟ ألم تمر عليك مقترحات وأفكار لحلول أخرى مثل توسعة الشوارع وإيجاد بنية تحتية سليمة وزيادة عدد مشروعات الجسور؟

من الملاحظ أن من يدعم قانون المرور هم فئة بعضهم للأسف مقر عمله لا يتجاوز شارعين من مكان منزله ومنازل أهله القريبة منه، وكذلك المحلات والمجمعات التي يتبضع منها حاجاته، لذا فهو باختصار «غير مفتكر» لأنه لم تأتِ له حتى الآن مخالفة ذات مبلغ وقدره... وهناك أناس للأسف ليس بيدنا أن نقول لهم غير «إن كنت لا تملك القدرة على الشعور بالآخرين فعلى الأقل لا تحتقر معاناتهم وإحساسهم»!

نبهنا من قبل أن هناك حاجة لدراسة أسباب المخالفات وإعادة النظر فيها قبل أن نقدم العقاب على الثواب! في الدول التي تطبق قوانين مرورية صارمة نجد الخيارات فيها متعددة للمواطن، بإمكانه استغلال القطارات الأرضية «المترو» أو القطارات الداخلية أو الدراجات أو «التوك توك»، خاصة تلك الدول التي جوها ليس كمثل جونا الصحراوي في غالبه، هناك نرى المواطن بإمكانه إيقاف سيارته في نفس منطقة عمله والانتقال بالدراجة أو عن طريق المشي أو بالمترو لموقع عمله، وهكذا حيث لديه أكثر من خيار ووسيلة نقل، إلى جانب أن الشوارع في تلك الدول تكون ذات خمسة أو ستة مسارات وتكون هناك أنفاق وجسور وكبارٍ وغيرها تجعل للناس حرية اختيار طرق نقلهم، لكن أن تكون البنية التحتية غير مهيأة لمشروعات مثل هذه -وأضف إلى ذلك «الجو لا يساعد على المشي مثلاً» أو استقلال دراجة هوائية، ولا يكون أمام المواطن إلا خيار واحد أو اثنان، ثم نضع له قوانين صارمة جداً لا تتلاءم مع ما يعانيه بالأصل في حركة تنقله أمام مسلسل الازدحامات المرورية والاختناقات في المواقع الحيوية، وعدم توفر المواقف، وضيق الشوارع التي غالباً ما تكون ذات مسارين أو ثلاثة في أحسن الأحوال- فذلك وضع يدفع بأهمية إعادة النظر في سياسة قانون المرور الجديد.

سؤال منطقي: ما الذي يدفع الناس لإيقاف سياراتهم فوق الأرصفة أو عند الجوانب الفارغة ذات المسافة ما بين الشارع والأرصفة أو ما بين الشارع والمباني إن كانت هناك مواقف كافية للسيارات؟ المواطن ليس مع الاستهتار ولا ضد قانون المرور إنما هو ضد أن يشتد الخناق عليه بقوة في حين لا توفر له بدائل، فالمواطن بالأصل لا يود أن يوقف سيارته فوق الرصيف إلا إذا دعته الحاجة الضرورية لذلك أصلاً!

المواطن يرى أن قانون المرور الجديد قد خفف الحوادث من جهة ولكنه زاد المخالفات من جهة أخرى، خاصة مخالفات الإيقاف الخاطئ وتجاوز السرعة بقليل «يا بو زيد كأنك ما غزيت» في حين شوارع البحرين بالأصل غير مهيأة ولا تتناسب مع قوانين مشددة كهذه.

هناك حاجة لإعادة تخطيط الشوارع المزدحمة، وهناك ضرورة ملحة لإيجاد مبانٍ متعددة الطوابق تتوفر فيها مواقف سيارات للناس، وهناك حاجة لإيجاد نظام مروري سلس الحركة، نعود لنقولها ونشدد عليها وفر العلاج والحلول ثم خالف المتجاوز والمخطئ، لا أن تعاقب الإنسان الذي لا يجد حيلة له أمام تكدس السيارات وعدم وجود مواقف وهو بحاجة إلى قضاء أعماله ووقته ثمين ومحدود، لا أن تختبر صبر مواطن يظل عالقاً نحو نصف ساعة في الازدحامات المرورية والإشارات الضوئية ثم عندما يحاول أن يزيد من سرعته قليلاً عن السرعة المحددة توقفه لتخالفه!