أكدنا من قبل ضرورة أن تنتبه الأسرة البحرينية لما يستقيه صغارها وشبابها من معلومات وأفكار خطيرة ومنحرفة عن الإنسانية تأتيهم عبر سلسلة متدفقة من العالم الافتراضي، الإلكتروني، دون وجود أية رقابة على تلكم الأفكار، مما يؤدي ذلك في الغالب إلى انحرافات سلوكية تحمل صفة الشذوذ من طرف شبابنا، سواء كانت انحرافات تتعلق بالأفعال أو بالأفكار، ولربما لا نستطيع تدارك ذلك حين تتمكن هذه الانحرافات من السيطرة على عقول صغارنا فيكون عملنا وتوجيه نصحنا لهم في الوقت الضائع.

ما يدلل على هذا الوعي بأهمية ملاحظة الصغار وعدم إعطائهم كامل الوسائل التي من شأنها إبعادهم عن جادة الحقيقة هو الحادث الإرهابي الأخير الذي وقع في مدينة «ستوكهولم» بالسويد، حيث أعلنت الشرطة السويدية «أن المشتبه به الذي قام بتنفيذ عملية دهس بشاحنة أسفرت عن أربعة قتلى و15 مصاباً في ستوكهولم هو أوزبكي يبلغ من العمر 39 عاماً ومعروف لدى أجهزة المخابرات. وأضاف رئيس جهاز المخابرات أن المشتبه به «ظهر أثناء عملياتنا السابقة لجمع المعلومات». ليس هذا وحسب بل الأخطر من كل ذلك هو ما أفادت به صحيفة «أفتونبلادت» أن المعتقل المشتبه به في تنفيذ الهجوم «هو مواطن أوزبكي مقيم في السويد ويبلغ من العمر 39 عاماً ولديه 4 أطفال، وكان يتفاعل مع صفحات على موقع «فيسبوك» تناصر تنظيم «داعش» الإرهابي».

نحن نؤكد أننا لا نستطيع السيطرة الكاملة على ملايين المواقع والمعلومات المتدفقة عبر الشبكة العنكبوتية التي تصل حتى داخل منازلنا لتقع في إيدي صغارنا، لكن هذا الأمر لا يعفينا من متابعتهم وإيجاد البدائل السليمة من مواقع إلكترونية وعلمية ورياضية وغيرها، ومن الضروري مراقبة سلوك صغارنا حين نشعر بتغيرات مشبوهة تعتريهم بين الفينة والفينة، كما يجب الاعتناء بهم واحتضانهم ورعايتهم وعدم رميهم طيلة حياتهم أمام مواقع إلكترونية مجهولة، حتى لا نفاجأ بعد فترة من الزمان بأن صغارنا بدؤوا يميلون نحو أفكار متطرفة أو إرهابية بسبب غفلتنا المتعمدة وكسلنا عن القيام بواجب التربية تجاههم.

من يتوقع أن يكون هناك حساب مغمور لأحد المتطرفين في موقع «فيسبوك» يقلب حياة رجل متزوج وراشد ليتحول إلى آلة فتاكة ووحش بشري في لحظات؟ إذاً، كيف يكون الحال بصغار السن حين نتركهم طوال الوقت يتفاعلون ويتعايشون مع مواقع مشبوهة وخطيرة قد تغير حياتهم للأسوأ وبصورة غير متوقعة، والسبب هو أننا لا نريد أن نكلف أنفسنا عناء التربية.

في الحقيقة نحن اليوم لا نقوم بواجباتنا التربوية، بل نحن ولأجل أن نرتاح من قضايا التربية المعقدة في عصرنا الراهن نقوم برمي صغارنا في دور العبادة عند أي «مطوع» أو رجل دين متطرف ليلقنهم أفكاراً منحرفة وسلوكيات بعيدة عن ديننا الحنيف، أو أن نغلق عليهم أبواب غرفهم لنسلمهم لعالم افتراضي مرعب لا يستطيعون أن يتخلصوا منه حين تعشعش أفكاره المنحرفة في أدمغتهم الطرية فيتحولون إلى وحوش بشرية تفتك بكل من يختلف معهم في الرؤى والأفكار. أحبتنا، اجلسوا مع صغاركم وعلموهم بعض القيم وشاركوهم همومهم وتطلعاتهم ولا ترموهم في يد العالم الإلكتروني المتوحش الذي قد تأسفون يوماً من الأيام وبسبب دلالكم الزائد لأبنائكم أنكم أعطيتموهم جهازاً ذكياً يقودهم للعبثية والعبث بأرواحهم وأرواح الأبرياء، فحينها لن ينفعكم الندم.