ليس للبحرين سفير واحد فقط في كل دولة من دول العالم، إنما لها سفراء متطوعون بعدد المقيمين ممن أقاموا ويقيمون على أرضها وعاشوا في خيرها واحتموا برعاية قيادتها من أبناء هذه الدول طوال إقامتهم بالبحرين، دون أن يشعروا بتمييز أو يمارس ضدهم أي شكل من أشكال الاضطهاد والتقليل من شأنهم ومكانتهم، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على موقف شهم وكريم من شعب البحرين وقيادتها.. تلك القيادة التي آمنت بالعدل والمساواة والتسامح كأعمدة أساسية للحكم في هذه المملكة.

وإذا كانت التقديرات الإحصائية تشير إلى أن البحرين تستضيف نحو نصف مليون أجنبي مقيم على أراضيها يعملون في مرافقها ومؤسساتها العامة والخاصة ينفذون ويديرون ويبنون ويشيدون ويقدمون جهودهم وخبراتهم في شتى مناحي الحياة فإنها بذلك قد امتلكت هذا العدد كسفراء متطوعين يدافعون عن البحرين وينقلون لأهاليهم في بلدانهم الأصلية التي قدموا منها صورة مشرقة عن البحرين الجميلة التي احتضنتهم لسنوات طوال.

إن هؤلاء سواء الموجودين حالياً أو الذين عملوا لفترات في البحرين ثم سافروا لبلدانهم أو لبلدان أخرى، هؤلاء إذا ما تتبعنا أعدادهم طوال الأربعين عاماً الماضية، منذ أن فتحت البحرين أبوابها للعمالة الأجنبية من كل بلاد الدنيا سنجد أن أعدادهم تقدر بالملايين، وجميعهم يحملون ذكريات جميلة للبحرين وقيادتها وشعبها، لأنهم عاشوا في خيرها ووجدوا الفرصة المناسبة لهم كي يقدموا خبراتهم في كافة المجالات، وكل هؤلاء يتحدثون بصورة إيجابية عن البحرين الجميلة وأهلها الطيبين ومشروعها الحضاري والإصلاحي في العمران والسياسة والاقتصاد والجوانب الاجتماعية كالصحة والتعليم والإسكان وغيرها. وهؤلاء يقومون بهذا الواجب نحو البحرين وقيادتها حباً واعترافاً بفضلها وكرم ضيافتها لهم طوال مدة عملهم فيها.

فالمقيم يعمل جنباً إلى جنب مع أخيه المقيم كلاهما له الهدف نفسه وهو العمل والبناء والإنجاز وتوظيف خبراتهم في نهضة هذا الوطن وتقدمه، فقد فتحت البحرين أبوابها لكل صاحب خبرة وعلم وتخصص ليعمل ويضيف لهذا البلد مثلما يتم في دول كبرى في العالم كالولايات المتحدة وكندا وأوروبا، التي فتحت أبوابها لكل صاحب خبرة وعمل من المهاجرين طالما كان ملتزماً بقانون الدولة ودستورها ولديه ما يضيفه لهذه البلدان، ولذا وفرت لهم البيئة الدافعة على العمل والإنجاز حتى صار المهاجرون أعمدة أساسية في بناء هذه الدول المتقدمة وصاروا جزءاً أصيلاً من نسيجها الوطني، وما أدل على ذلك من ملايين الأتراك في ألمانيا ومواطني دول المغرب العربي في أوروبا وخاصة فرنسا والآسيويين والأفارقة والأوروبيين والأمريكيين اللاتينيين في الولايات المتحدة وكندا.

لقد استحضرت تلك المعاني وأنا أتابع لقاء حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى حفظه الله ورعاه، مع صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء الموقر، والذي تم فيه التأكيد على أهمية المقيمين وعملهم جنباً إلى جنب مع المواطنين في بناء نهضة البحرين الحديثة التي أصبحت مجالاً مهماً نتباهى به أمام دول العالم المتقدم.

لقد أبرز هذا اللقاء بين حضرة صاحب الجلالة عاهل البلاد المفدى، وصاحب السمو الملكي رئيس الوزراء والذي تم فيه الحديث عن أمر المقيمين، الفكر المستنير للقيادة التي جعلت من البحرين أرض التسامح الديني وملتقى الأديان السماوية وحضارات العالم وثقافاته، مما جعلها أرض السلام والإخاء والعيش في أمان للجميع. ولذا فإن هذا اللقاء لا بد أن يكون نهجاً ونبراساً وقدوة يسترشد بها ويستنير بضيائها كل من يعيش على أرض البحرين مواطناً كان أو مقيماً في تعامله بالعقل المنفتح والمستنير مع أصحاب الجنسيات الأخرى، ذلك اللقاء الذي بعث البهجة والراحة النفسية لكل من يعمل على أرض البحرين لأنه يوفر لهم الدافعية على الإنجاز والتفاعل والاستقرار النفسي والاجتماعي لأنه أتى من قائدين كبيرين يقدران كل صاحب عمل وخبرة.

إنه موقف ملكي سامٍ يضاف للرصيد الوافر لحضرة صاحب الجلالة عاهل البلاد المفدى، كما يضاف إلى صاحب السمو الملكي رئيس الوزراء الموقر في حماية حقوق الإنسان وحقه في العيش في أمن وأمان واستقرار على أرض البحرين دون تمييز أو تفرقة طالما كان شخصاً إيجابياً قادراً على العطاء والبناء وملتزماً بدستور الدولة وقانونها ونظامها الاجتماعي وتاريخها وحضارتها.

إننا في النهاية نقدم كل التحية لجلالة الملك ولسمو رئيس الوزراء، قادة الإصلاح والتسامح والفكر المستنير وعدم التمييز، والملهمين الأساسيين لكل عمل وإنجاز على هذه الأرض الطيبة سواء شارك فيه المواطن أو المقيم، طالما يصب في نهضة البحرين وتقدمها، وندعو الله عز وجل أن يمتعهما بموفور الصحة وطول العمر.

* أستاذ الإعلام بجامعة البحرين