المجتمع يستمد قوته وتماسكه من قوة الأسرة، وضعفه بالتأكيد يكون من ضعف الأسرة المتفككة ورخاوة البنية الأساسية لتنشئة أفراده، بمعنى آخر الاستقرار الأسري مطلوب بدرجة كبيرة لاستقرار المجتمع في جوانبه المتعددة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والدينية.

محاكم البحرين تعج بالقضايا الأسرية المختلفة، وتعزيزاً لاستقرار الأسرة كان مكتب التوفيق الأسري حلاً أولياً في تسوية الخلافات والنزاعات بين الأسرة الواحدة، وإصدار الشق الأول من أحكام الأسرة ركيزة مهمة لاستقرار الأسرة، ويبقى إصدار الشق الثاني من قانون أحكام الأسرة هاجساً يحمل همه المجتمع البحريني بجميع شرائحه، لما للمرأة البحرينية من مكانة عظيمة ومحل تقدير واعتزاز عند الجميع.

المرأة البحرينية تحظى بحقوق كثيرة تشمل الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والقانونية، أسوة بالرجل مما جعل من المرأة إنسانة واعية بهذه الحقوق، ولا ينكر المجتمع البحريني دور المملكة ومساعيها الحثيثة في القضاء على كافة أشكال التمييز التي قد تواجهها المرأة في البيت أو في العمل أو في أي مكان تتواجد فيه، فالمشروع الإصلاحي لحضرة صاحب الجلالة عاهل البلاد المفدى، ومساعي صاحبة السمو الملكي الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة قرينة عاهل البلاد المفدى رئيسة المجلس الأعلى للمرأة حفظها الله، كان حرصاً على أن تكون المرأة البحرينية محاطة بهالة من الرعاية والاهتمام حتى تكون جزءاً فاعلاً في المجتمع «معززة ومكرمة»، ذلك لأن سعادة المرأة من سعادة الأسرة، واستقرار الأسرة من استقرار المرأة النفسي والاجتماعي والاقتصادي، فالأسرة المترابطة التي يسود أفرادها الحب والمودة والتآلف تكون أسرة قد تحقق لها كل العوامل الضرورية في إرساء الطمأنينة والاستقرار البعيدة عن التفكك والانحراف والخوف.

منذ أيام، الأستاذة هالة الأنصاري الأمين العام للمجلس الأعلى للمرأة كشفت عن مساعٍ لإصدار قانون موحد لأحكام الأسرة، وتقدم بعض من أعضاء مجلس الشورى بمقترح القانون، الأستاذة دلال الزايد، والأستاذة زهوة الكواري، والدكتورة سوسن تقوي، والشيخ جواد بوحسين، والدكتور أحمد العريض، حيث يتكون المقترح من 149 مادة ويهدف إلى دعم واستقرار الأسرة البحرينية بما يحفظ الحقوق والواجبات، وأهم من ذلك هو أن يكون القانون ضمن الضوابط والأحكام الشرعية في كلا الفقهين السني والجعفري في القواسم المشتركة مع مراعاة الخصوصيات فيهما، وعندما نتكلم عن أن مملكة البحرين أرست حقوق المرأة دون تمييز فهذا يعني بأنه مثلما أصدر الشق الأول من أحكام الأسرة لا بد من الشق الثاني أن يرى النور، وإلا ستكون المرأة البحرينية التي تخضع للشق الجعفري مضطهدة في حقوقها وغير متساوية مع نظيرتها في الشق السني.

القانون الموحد لأحكام الأسرة كما جاء في المذكرة الإيضاحية من مجلس الشورى بأنه «لا يتم تعديل هذا القانون إلا بموافقة لجنة ذوي الاختصاص الشرعي من القضاة والفقهاء من المذهب السني والمذهب الجعفري على أن يكون نصفهم من قضاة محاكم الأسرة»، فالقانون الموحد سوف يشمل مواضيع عدة مهمة تحفظ الحقوق وتحدد الواجبات، منها فيما يتعلق بتزويج الفتاة والخلع والحضانة والصداق، أي أنه قانون موحد متكامل من جميع جوانبه وفق القواسم المشتركة بين المذهبين، وسوف ينعكس تأثيره الإيجابي على الأسرة البحرينية، الزوج والزوجة والأبناء، وسوف يحقق الاستقرار النفسي للأسرة الواحدة حتى في حالات الطلاق والخلع، ولا ننسى بأن بعض الزيجات في المملكة تكون أطرافها من المذهبين السني والجعفري -أي الزوجة من المذهب السني والزوج من المذهب الشيعي أو العكس- ولا بد في هذه الحالة أن يكون قانون أحكام الأسرة منصفاً لهذه الأسر أيضاً.

* كلمة من القلب:

بعض الرجال الحاقدين على المرأة لا يريدون لأي قانون يخص المرأة ويحفظ حقوقها أن يرى النور، ويهاجمون المساعي الحثيثة لإصداره، ذلك لأنهم يرون المرأة تتمثل في طليقته أو الزوجة التي لا يحبها، ولا يلتفت هؤلاء الرجال أبداً إلى أن هذا القانون سوف ينصف ويحفظ حقوق المرأة التي يمكن أن تكون أمه أو أخته أو ابنته أو حفيدته أو إحدى قريباته العزيزات على نفسه، ولا ينظرون أبداً إلى أن هذا القانون سوف يحقق تماسك المجتمع ويحمي أفراد الأسرة من الفوضى والتعدي على حقوقهم، والأسمى من ذلك كله تحقيق شرع الله من غير كره أو ظلم أو اضطهاد.