في كل عدد ضيف جديد، ومع كل ضيف أضواء نسلطها في مجال تخصصه الدقيق ومحيطه الأقرب لنستلهم من تجارب هؤلاء الضيوف وخبراتهم ومعارفهم في دوائر ضيقة، قد لا نصل إليها بإطلاعنا كما وصلوا لها هم بممارساتهم وتجاربهم فيها، وفي المرة الأولى التي تحط فيها مراكبنا على ضفة الخليج العربي صوب عمان تحديداً، أردنا أن يكون ضيفنا على أوسع مستوى من المعرفة وذي نطاق واسع من الخبرات المتعددة، التي بلا أدنى شك تضيف لمستوى إدراكه للواقع وتتيح له من المعطيات ليكون الأقدر على تحليلها، ولهذا فقد أرتأينا أن يكون ضيفنا لهذا الأسبوع أستاذ الإعلام السياسي بجامعة السلطان قابوس، ورئيس مجلس إدارة جامعة ظفار بسلطنة عمان، إلى جانب أنه أحد أهم النخب السياسية والفكرية والإعلامية العمانية ذات الحضور الواسع خليجياً، فضلاً عن كونه نائب رئيس مجلس إدارة الجمعية العمانية لحماية المستهلك منذ عام 2003. إنه الدكتور أنور بن محمد الرواس.

على مقربة من الحالة العمانية

وقد أردنا في هذا اللقاء أن نكون على مقربة من الحالة العمانية، من قبل الأكثر إطلاعاً وتعايشاً مع الواقع العماني سياسياً وإعلامياً واجتماعياً، ولهذا فقد حاولنا الوقوف بدايةً على استشرافه لمستقبل عمان بعد تعيين سمو السيد أسعد بن طارق بن تيمور آل سعيد نائبًا لرئيس الوزراء لشؤون العلاقات والتعاون الدولي وممثلًا خاصًا لجلالة السلطان، ليجيبنا د. الرواس إن "تعيين سمو السيد أسعد جاء مواكباً لتطور الملفات السياسية التي تشهدها المنطقة على أكثر من صعيد؛ فسموه يعد من الشخصيات التي لها حضور بارز على المستويات الإقليمية والعربية والدولية،ويستطيع من خلال خبرته السياسية أن يساهم في إذكاء الدور العُماني الذي يعتمد على منهج الحوار وفتح قنوات التواصل والعمل على إنهاء الصراعات التي تشهدها منطقتنا بالطرق السلمية". وفي هذا السياق أردف الرواس "أعتقد أن اختيار السلطان قابوس بن سعيد لسمو السيد أسعد بن طارق بن تيمور آل سعيد، كان مدروساً وفِي محله؛ فسموه يتمتع بحب العمانيين بحكم قربه منهم، كما أن لديه رصيد في تواصله مع العالم الخارجي، بحكم مشاركاته في كثير من القمم العربية والإسلامية وقمم عدم الانحياز.



وحول عمان والمشروع الخليجي الوحدوي، أفاد الرواس أن "موقف سلطنة عمان ثابت في عدم الانخراط في مشروع الاتحاد الخليجي، نظراًلأن مجلس التعاون لدول الخليج العربية يقوم بدوره على أكمل وجه، وبالتالي فإن القفز السريع لهكذا مشروع يحتاج إلى دراسات كثيرة، وبالتالي أي قفز لمشروع وحدوي سيكون هشاً في ظل غياب معايير العمل المؤسسي".

أما حول موقف عمان من حرب اليمن، فقد بيّن الرواس ثبات الموقف العماني من الوهلة الأولى مشيراً إلى ذلك بقوله "سلطنة عمان مع الحوار وإنهاء الصراع، وما يحصل في اليمن من اقتتال بين أبناء البلد الواحد سيكون مكلفاً"، منوهاً بقوله أن"عمان نادت ولا زالت تنادي بالحوار بين الفرقاء اليمنيين، وأتمنى من الدول الخليجية تقديم مبادرات لحل الأزمة اليمنية في أقرب فرصة ممكنة.

ودفعنا هذا الاختلاف في الموقف العماني من عدد من القضايا الخليجية الراهنة، إلى السؤال حول تعامل عمان مع الحساسية الخليجية تجاه التقارب بين مسقط وطهران، وما لبث الرواس أن تلقى السؤال حتى أجاب، "لم نسمع أي بيان رسمي لدول الخليج حول حساسيتهم من عمان في علاقة سلطنة عمان مع إيران، وأعتقد أن هذا شأن عماني صرف يجسد الثوابت العمانية في عدم التدخل في شؤون الغير، إلاَّ أن هناك تواصل تجاري مع إيران لمعظم دول الخليج ومنها عمان". وأردف قائلاً "سلطنة عمان أعلنتها منذ مقاطعة العرب لمصر عام 1979 بأن سياستها تقوم على لمّ الصف العربي والإسلامي، وهذا موقف عماني ثابت لن يتغير".

النخب الخليجية

ولأن دكتور أنور الرواس واحداً من الأسماء العمانية اللامعة وأكثرها حضوراً في ميادين النخب الخليجية السياسية والفكرية، كان هناك حديثاً حول المؤتمرات واللقاءات التي تعقدها النخب الفكرية الخليجية، وإذا ما كان لها فاعلية في السياسة والمجتمع الخليجيين، خشية أن تكون تلك النخب تمارس نشاطها الفكري في أبراج عاجية بعيدة عن واقع المجتمع، ومتسائلين كذلك عن عمان وموقعها من خارطة التفاعلات السياسية النخبوية والمؤتمرات الخليجية، وكانت إجابة الرواس تفصيلية ووقفت على جملة من المحاور المركزية الهامة التي أوردها بقوله إن "دور النخب الخليجية بارز وملموس، وصوتها قوي لدى الدوائر السياسية الخليجية، ولا أتفق أن تلك النخب السياسية والفكرية في الخليج تعيش في أبراج عاجية"، واستطرد الرواس معللاً "معظم وسائل الإعلام الخليجية والعربية تستأنس برأي هذه النخب في كثير من القضايا"، وأضاف الرواس "أعتقد أن الفجوة بين السياسيين والنخب بدأت في التحسن، وهناك لقاءات تعقد بين الحين والآخر لتقريب وجهات النظر،وأستطيع الجزم بأن النخب الخليجية وطنيون وتهمهم مصالح بلدانهم في المقام الأول، وأن ما يقومون به من نصح أو نقد يَصْب في المصلحة العليا لدول الخليج". أما حول عمان فقد أفاد أن السلطنة حاضرة بنخبها في أي تجمع خليجي، وأن النخب الفكرية والسياسية العمانية قيمة مضافة للجميع.

الإعلام الخليجي

وقد لفتتنا بعض الدراسات العلمية في الإعلام الخليجي، إذ أثبت بعضها أن الإعلام العماني بمنأى عن قضايا مهددات الأمن الخليجي لاسيما من قبل إيران، ما دعا للبحث عن تفسير ذلك من قبل الرواس لا سيما وأنه مختص في الإعلام السياسي وله حضور مميز في الإعلام العماني تحديداً، وعلل الرواس بدوره هذه النتائج قائلاً إن "الإعلام العُماني يتبنى خطاب السلطة، وهو أمر تمارسه كافة وسائل الإعلام الخليجية، ولهذا فإن الإعلام العُماني يتبنى الصوت الهادئ، ويعمل في إطار لم الشمل، بعيداً عن الضجيج الإعلامي، وهو دور تمارسه عمان من خلال سياستها الخارجية. وأضاف أن "الإعلام العُماني ينفذ سياسات الحكومة وبالتالي فهو يعكس سياسة الدولة على المستويين المحلي والخارجي، الهدوء سمة العمانيين، ولا يؤمنون بردات الفعل، وبالتالي تجدون أن التعليقات السياسية في الإعلام العُماني قليلة".

وحول الإعلام الخليجي وإسهاماته في صناعة الوعي الفكري والوعي السياسي لدى متابعيه، حدثنا الرواس "بدون شك أن الإعلام الرسمي الخليجي قام بدوره خلال المراحل السابقة ولا يزال يمارس هذا الدور، ولكن بصورة أقل نظراً لتعددية وسائل الإعلام الخاصة التي حركت بعض السواكن المحظورة سابقاً، وفتحت آفاقا للحوار في كثير من القضايا التي تهم أبناء الخليج". واستطرد الرواس "الإعلام مرآة عاكسة لواقع المجتمعات، وأي تدخل في منظومته سيجعله عاجزاً عن أداء رسالته المهنية، ما يحز في النفس أن الحكومات الخليجية أطلقت العنان للخدمات التكنولوجية وسمحت بها وتفاعلت معها المجتمعات، إلا أنها لم تطور إعلامها الرسمي؛ حيث أبقته على الرف، مما أفقده ثقة جمهوره المحلي"، وأضاف أصبحت "هناك بدائل إعلامية موجودة على الساحة فلا داعي لأن نشغل أنفسنا بإعلام رسمي حكم عليه بالجمود".

ومع ارتفاع سقف الحديث عن الإعلام والحريات وكيف أن الإعلام الخليجي غدى يستأنس بآراء متفاوتة الجرأة والقوة من قبل النخب الخليجية بحثنا عن سبل التوازن بين حرية الإعلام وبين الخطوط الحمراء التي لا يجب اجتيازها، فانطلق الدكتور الرواس بالتأكيد على بعض الثوابت مشيراً إلى أن "التوازن مطلوب في كل شيء، هذا بالمطلق.. ولكن إذا الدول الخليجية لم تسعى إلى الدستورية سوف نجد التأويلات والتفسيرات لمن أراد أن يتصيد في الماء العكر"، ثم أدلى برأيه قائلاً "أرى أن حرية الإعلام مطلوبة في حدود النظام والقانون، وهذا لا يعني أن النظام والقانون يكبل من الحرية بل ينظمها في إطارها السليم، ولتكون عوناً للسلطات الثلاث وللمجتمع". وأردف "أنا مع الحرية الإعلامية المسؤولة التي لا تنتهك حرمات وحقوق الآخرين، ومع الحرية الإعلامية التي تحارب الفساد والتطرف والإرهاب وغيرها من القضايا التي تحافظ على الوحدة الوطنية والصالح العام".

وجرنا الحديث عن الحريات الإعلامية بشفافية عالية، وعن واقع الإعلام الخليجي بنظرة تقييمة للرواس، إلى البحث عن موقع الإعلام الخليجي على شبكة الإعلام العربي، وهو ما عبّر الرواس عن رأيه به قائلاً "بلا شك أن رأسمال الخليجي في الإعلام كعبه عالي، بحكم الموازنات المفتوحة وبحكم استقطاب القيادات الإعلامية من الوطن العربي ممن لديها خبرات متخصصة استطاعت أن تنافس الإعلام الخليجي الرسمي وتجعله يتذيل القائمة، وشخصياًأعتبر ذلك ظاهرة صحية، لعل وعسى أن يتحرك الجمود في إعلامنا الرسمي". وأردف بقوله "من يملك المال يملك السلطة، وثقي كل الثقة،أن مالكي المؤسسات الإعلامية الخليجية هم من يتحكم بالسياسات داخل المؤسسة، وهم من أعطى الصلاحيات للخبرات الإعلامية للقيام بذلك، وهذا ليس فشلاً؛ بل بالعكس، يعطي مساحة للتنافس المهني".

وألقينا مراسينا..

مع الدكتور أنور الرواس كانت رحلتنا، الرجل الذي جمعتني به ذكريات ومواقف ولقاءات فكرية وسياسية عميقة في دول خليجية متفرقة، رجل يضاف إلى علمه كاريزميته، وطرافتهالأنيقة الخفيفة، عُرفبطرح واعٍ بقدرة فائقةعلى خدمة قضايا بلاده ومحيطه الإقليمي، تتلمس الحرقة على الخليج العربي وعمان في نبرة صوته، انفعالاته ودفاعاته تفضح حبه وحرصه على استقرار المنطقة وتطلّعه لأن يسودها الأمان، وأن ترسو دول مجلس التعاون كلها على ضفاف آمنة لتنعم بخليج عربي مستقر.