الإسراء والمعراج لم يكن مجرد حدث تاريخي عابر محاط بالخصوصية من المولى سبحانه وتعالى بعبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم، ولكن هو حدث استثنائي فريد مليء بالدروس والعبر الملهمة للناس جميعاً ولنا كمسلمين بالتحديد، وخاصة في أيامنا هذه والتي نعيش فيها نكسة حضارية وأخلاقية لا تليق بخير أمة أخرجت للناس.

والحقيقة، ما أحوجنا لأن نحتفل ونستلهم دروس الإسراء والمعراج لإعادة الروح لجسد قد جيف من فرط التفريط في نعم الله وفضله علينا، وقد أصبحنا فرقاً وطوائف لا يقبل بعضنا بعضاً، فضلاً عن عدم قبول الآخرين بالطبع من أتباع الديانات الأخرى، ولا شك في أن صلاة رسولنا الكريم بجميع الأنبياء والمرسلين في المسجد الأقصى هي لتأكيد المعنى الحقيقي للرسالات السماوية بعبادة الله وحده لا شريك له ولكي يقوم الناس جميعاً بالقسط والعدل والتراحم والتعارف فيما بينهم وعمارة الأرض وإقامة خلافة الله عليها، ليست خلافة على طريقة مجرمي التنظيمات المتطرفة حيث القتل والتفجير وهدم الإنسان بنيان الرب، ولكن خلافة الله في الأرض هي منهج يرقى لبنيان الله في الأرض وهو الإنسان حامل الأمانة.

في ذكرى الإسراء والمعراج علينا أن نتذكر المغزى والهدف من هذه الرحلة الأرضية السماوية، حيث الترقي في منازل وعلى درجات القرب من الله سبحانه وتعالى، أو كما يقول السلف الصالح إن الطريق إلى الله بعدد أنفاس الخلائق، وبما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو قمة هرم الموجودات وأحب خلق الله إليه، كانت الرحلة على قدره ومقداره العظيم، والتي علينا جميعاً أن نتدبرها ونفر إلى الله في هذه الأيام المباركة ونتوب ونعود إليه قبل فوات الأوان.

من المؤسف أننا لانزال في هذه المحنة التي نعيشها، حيث انتشرت ثقافة الإرهاب والقتل والتفجير، وحيث لا حرمة للأشهر الحرم، ولا لدور العبادة، ولا حرمة للنفس البشرية، وأصبحنا وأمسينا في خطر عظيم، هي محنة وبلاء نحتاج فيها للحكماء والمفكرين والمستنيرين من رجال الدين وأصحاب الفضائيات وإعلاميين كبار، أن ينتفضوا لوقف هذه الجرائم التي ترتكب باسم الدين تارة وباسم المذهب تارة أخرى، والحقيقة أنه قتال وتآمر من أجل الهيمنة السياسية وصراع النفوذ على الثروات فقط، لا نرى إلا سيلاً من الأكاذيب التي لا تتوقف عند حد، بل يزيد الفتق على الراتق وتتضاءل فرص الأمن والسلام في المجتمع الدولي وخاصة في الشرق الأوسط.

في ذكرى الإسراء والمعراج فرصة أن ينهض المسلمون من سباتهم ويستلهموا الأخلاق المحمدية في التعامل مع من يخالفهم في العقيدة، لأن الدين لله والأمن والسلام والحرية للجميع تحت مظلة إنسانية تليق بالرسالة العالمية للإسلام، وهي الرسالة التي خذلها المسلمون منذ زمن بعيد حينما انسحبوا من عملية صناعة الحضارة وتطبيق دينهم بحق في الرحمة والعدل والمساواة، بل وحتى فشلوا في الوحدة فيما بينهم واستبدلوا رسالتهم العالمية برسالة مذهبية إقصائية، حتى ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وأصبح كل حزب بما لديهم فرحون! بالله عليكم كم من مناسبة عظيمة وفرصة تمضي ولا تعود، أضعناها في العودة إلى الله وتقواه حق تقاته!!

لماذا هذا الصد عن سبيل الله حتى أصبح العالم ينظر إلى الإسلام من نافذة من أساؤوا إليه؟! لماذا نصر على أن نحمل أبناءنا في المستقبل فاتورة باهظة الثمن لا لشيء إلا لكي ننتصر لمنهج شيطاني في الفرقة والبغضاء؟! إنه من المحزن أن نرى أتباع الأديان الأخرى تركوا صراعاتهم منذ زمن ولم يتبقَ إلا المسلمون يتقاتلون وهم خير أمة أخرجت للناس! لهدايتهم! ليكون أصحاب الرسالة العالمية قدوة للناس جميعاً! لماذا هذا الكبر والعناد والتقليد الأجوف والتمرد بلا قضية حقيقية نافعة؟ وماذا ننتظر من نتائج لهذا الصراع والدمار الذي سيحرقنا جميعاً بلا استثناء؟

الحقيقة، أنه لا سبيل لنا في النجاة إلا باستعادة الإسلام المحمدي القرآني، وأن نترك الصراع المذهبي البشري التراثي التاريخي.. علينا أن نستغل هذه المناسبة العظيمة وهذه الأيام المباركة لنستدرك ما فرطنا فيه، وأن نفتح صفحة جديدة يكون عنوانها «واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا».. فالناس صنفان، إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق.. لا نريد أكثر من ذلك.