قالوا لنا قديماً «الجوهر أهم من المظهر»، كان كلاماً مقنعاً بالنسبة لنا، ولكن تمر بنا الأيام ونبحث في واقعنا عن مصداقية هذه المقولة لندرك أنها ضالتنا، فكثير منا يبني تقديره وحكمه على الآخرين بناء على مظهرهم، وما يضعونه على أجسادهم من ملابس وإكسسوارات وعطورات وساعات، التي هي من منتجات كبرى الشركات «الماركات العالمية»، حتى إن البعض يحدد مكان جلوس الأشخاص في المجالس بحسب ما يلبسون. وتعدى الأمر لما يقتنونه من هواتف محمولة وسيارات حتى أصبح الفرد منا يضطر للاقتراض ليؤمن لنفسه توفير مشتريات من الماركات ليحافظ على تقدير الآخرين له.. وتعدى الأمر إلى حد إدمان الأرقام وما أدراك ما الأرقام واقصد أرقام السيارة والهواتف. فكلها عوامل باتت تحدد لدى العديد مدى احترامه للأشخاص، ويسعى من يحصل على رقم سيارة مميز إلى كسب احترام الآخرين ومحاولة أن يفرض عليهم أنه شخصية مهمة ذات هيبة والإشارة إلى ثرائه، فلم يعد الغرض من رقم لوحات السيارات المميز التباهي‮ ‬والتظاهر فقط،‮ ‬وإنما‮ ‬يتعدى ذلك إلى الرغبة في‮ ‬التواصل السريع والسهل مع الناس وبناء العلاقات،‮ ‬معتقدين أن الرقم‮ ‬يعطيهم قيمة إضافية مهمة.‬‬‬‬‬‬

لقد بات شراء رقم مميز للسيارة أمر يسعى خلفه الكثيرون وبشغف كبير يصل لحد الهوس في بعض الأحيان وعلى استعداد لدفع الآلاف بل ومئات الآلاف من الأموال من أجل الحصول عليه، ويقول البعض منهم بأن الله يحب أن تظهر آثار نعمته على عبده ومن أهم هذه الآثار المغالاة في كل شيء يتم استخدامه بدءا من الحذاء وحتى رقم السيارة، قد يكون ذلك مشروعاً فكل شخص له الحرية التامة في استخدام أمواله بحسب تقديره.. ذلك حق له.. ولكن هل يدخل ذلك في بند التبذير؟ أم أنها إستراتيجية لكسب احترام الآخرين؟

إن الرغبة في اقتناء شرائح الهواتف ولوحات السيارات ذات الأرقام المميزة، ظاهرة منتشرة فأصبح العديد من الأشخاص يستحسنون أرقاماً معينة للوحات السيارات، سواء الأرقام المتشابهة أو الثنائية أو الثلاثية، وبالتالي صارت ثقافة ان من لديه رقم من هذه الأرقام يكون متميزاً وأصبح لتجارة الأرقام المميزة مكاناً مميزاً على مواقع التواصل وفي الشوارع وفي الإعلانات المبوبة مستهدفة فئة تبحث عن اقتناء كل ما هو مميز، سواء كان رقم هاتف أو سيارة، فهم يدفعون مبالغ طائلة لاقتناء هذه الأشياء، وهو ما دفع كثيرين إلى الاستثمار في هذا المجال، إذ أصبحت الأرقام المميزة للهواتف المحمولة ولوحات السيارات موضة وتجارة مربحة فالعديد وخاصة الشباب أصبح يبحث عن الأرقام المميزة.

ولا زلت أتذكر تلك المقولة، إن الجوهر أهم من المظهر رغم كل ما يدور حولنا.. فالاهتمام بالمظاهر أصبحت سمة لدى بعض أفراد المجتمع فنجد الكثير منا يبالغ في الإنفاق في كل شيء، في الحفلات كحفلات الأعراس والتخرج، فيعد الولائم ناهيك عن الإسراف في تقديم الطعام بكميات أكبر بكثير من عدد الحضور، وهذا الطعام مصير أغلبيته صناديق القمامة، وغيرها من المغالاة في التجهيزات الأخرى وللأسف تنتقل عدوى التبذير إلى أطفالنا، فيبالغون في شراء الألعاب والهواتف النقالة، وبذلك ينتقل تأثير البذخ أو كما يطلق عليه الاستهلاك السلبي إلى المجتمع ككل، ووسط كل هذا يظل سؤال واحد يفرض نفسه، هل الاهتمام بالمظهر لا الجوهر أصبح ظاهرة اجتماعية؟ ألم ينهانا الله عن الإسراف والتبذير، وهما ما تجاوز الحد في إنفاق الأموال، خاصة أن في الفترة الأخيرة ومع الأزمة الاقتصادية علت نداءات تدعو المواطنين لترشيد النفقات وإعادة النظر في المشتريات بل أصبح من الضروري وقف بعض العادات الاجتماعية ذات الكلفة العالية، وضرورة التكاتف المجتمعي من اجل مواجهة الأزمة الاقتصادية وتلك دعوات منطقية مقبولة في ظل الأزمة الاقتصادية، ومقبولة اجتماعياً حيث تعالج ظاهره اجتماعية غير مقبولة.. وأخيرا كل ما نحتاجه وقفة تأمل في أسلوب حياتنا في زمن نعيشه وألسنة الحروب تندلع في العديد من الدول المحيطة.. تلك الوقفة نحتاجها جميعنا، ودمتم أبناء وطني سالمين.