ربما نحن في زمن اختلت فيه الموازين، فأصبح «كل من هب ودب» ينتقد! وليس أيّ انتقاد! بل الانتقاد المحبط المهيمن «الذي يكسر المجاديف». فلم يعد الانتقاد يضفي لمساته الذهبية في إيصال رسالة بناءة لإصلاح ثغرات الخلل أو الضعف الموجودة، بل اندمج في الـDirty game ليكون عاملاً فعالاً وجوهرياً في إبطال النجاح أو الإنجاز الموجود ذاته.

فلو جمعتَ مجموعة متفاوتة من الناس، وطرحت عليهم قضية معينة وطلبت منهم وضع حلول «مبتكرة» وليس نمطية ومكررة، لوجدتَ نفسكَ وحيداً بين عدد من الكراسي والجدران، ولكن إن قمتَ بخلاف ذلك، وطلبتَ منهم انتقاد فعل ما أو قضية أو إنجاز ما، لرأيت نبالاً من الأسهم اللاذعة الناقدة الواثقة والمتعارضة -حتى من أصغرهم فكراً وعقلاً- من أجل إثبات رأيهم بالانتقاد غير البناء.

تنافس غير شريف.. ينشر سمومه في الوسط ليدمر برنامجاً، وقضية، ومجتمعاً ودولة! وبذلك، أعترف بأن «بعض» النقاد المحترفين والفاشلين أيضاً هم بنفس الوقت يواجهون خسارة فادحة في مسايرة مبادئ النقد البناء واحترام الذات قبل احترام الرأي الآخر.

ربما هناك من لا يعجبه العجب، وربما هناك من يسعى عمداً إلى المساهمة بشهر قضية ما عبر انتقاده اللاذع غير المبني، وربما هناك من لا يعرف أبداً معنى الانتقاد البناء، ويفضل دائماً أن يغرد خارج السرب بعيداً عن جو المناقشة الفاعلة، لكن يبقى الشيء الأهم في كيفية استخدام الانتقاد كفن يهدف إلى معالجة قضية ما بنبرة إيجابية، دون تجريح ودون تهجم.

* وقفة تأمل:

من الغريب جداً، أن يترجم بعض الشباب انتقادهم اللاذع لدولهم إلى أفعال يجرمها القانون بحرق مكب نفايات مثلاً للتعبير عن استيائهم، ومن ثم -ولدى استنفادهم للفترة المحكوم بها عليهم- يتجهمون بالبطالة! إن البطالة ليست في عدم التحصل على العمل فقط، بل هي بطالة القلب والفكر الذي دائماً ما يترجم الانتقاد إلى أفعال فاشلة لا فائدة منها.

وكذلك إنه من المؤسف، أن يخرج بعض مواطني مملكة البحرين إلى الخارج ليمثلوا المملكة وحاملين جوازات بحرينية يفتخر بها كل بحريني، يقومون بإظهار نواقص البحرين وانتقاد بعض قوانينها أمام الغريب! عيب! هل رأيتم قط وفداً أجنبياً أتى إلى البحرين يوماً وينتقد دولته الأم؟ إن فن الانتقاد يخالطه الإخلاص في نفس الوقت أيضاً، ففي النهاية نحن نشكل منظومة مجتمعية واحدة، يجب أن نحافظ عليها من التفكك بعيداً عن تدخل الحاقدين وغير المعنيين.