الحرب ذات صفة مرحلية لإزالة المعوقات التي تعترض سبيل الحياة السلمية، وفي الحرب تتعرض الدول لفاجعة فقدان أبنائها، لكن ذلك لا يكسر روح الاستمرار لدى الأمم القوية. وكل أمة تحمل معها جينات ومورثات عزها، وفي بعض الأحيان ننسى ما نفتخر به من فرط ما هو حاضر فينا، مما يتطلب إحياء رمز البطل مجدداً بين فينة وأخرى، لكن ذلك يتطلب تجاوز التخلف القابع مستتراً في هيئة إنسان يؤمن بعدم تساوي أطياف المجتمع أو تساوي المرأة والرجل في الوطنية والتضحية. فكيف يمكن لأمة أن تظهر أنها أمة متفوقة إذا انقادت لإيحاءات مشبعة بالكيدية لبعض أطياف مجتمعها أو لنصفه.

وقبل نصف قرن على سقوط طائرة هليكوبتر سعودية أثناء عمليات إعادة الشرعية في اليمن يوم الثلاثاء 18 أبريل 2017، في محافظة مأرب واستشهاد من فيها رحمهم الله، قبل ذلك وفي عهد المغفور له الملك سعود بن عبدالعزيز، دخلت الرياض حرب إعادة الشرعية الأولى في اليمن، جراء انقلاب السلال على الإمام البدر، وفي تلك الحرب كان الجندي السعودي «محمد محسن الصعيب الوادعي» يعمل رامياً على مضاد للطائرات في «المراطة» في منطقة نجران. فيما كانت «سيدة بنت هادي آل زمانان اليامي» تعمل في نفس المنطقة بين بئر الماء وبيتها وحقلها قرب مربض المدفع المضاد للطائرات.

وفي أحد أيام 1963 حلقت قلعة الموت الطائر من طراز إليوشن- 28 السوفيتية الصنع فوق نجران، مدمرة كل ما أمامها، وانصب اهتمام طياريها ككل الطيارين في الحروب على إسكات المضادات الأرضية. حينها بدأ الجندي «الوادعي» في تلقيم مدفعيته بالقذائف وإطلاقها نحو الطائرة. كان وحيداً لغياب مساعده، وكان عليه حمل القذائف والتلقيم والتسديد ثم الإطلاق. وفجأة نفدت الذخيرة التي بقربه، والطائرة المغيرة تستدير على وشك فتح رشاشاتها عليه مجدداً. لقد نفدت ذخيرته والمدفع يقيده فلا يستطيع جلب ذخيرة ولا ترك المدفع.

ومن حقلها لمحت اليامية «سيدة» سيناريو الإثارة المتشكل أمامها، فقفزت في المشهد كمشارك أصيل فيما يجري. وانطلقت البطلة بفروسية جامحة لجلب القذائف وتقريبها من الجندي «محمد الوادعي» لتلقيمها وإطلاقها، ولتسجل قذائف «اليامية» بحروف من ذهب سقوط أول طائرة معادية في تاريخ الدفاع الجوي السعودي، متناثرة فوق جبل همدان القريب، حيث جُلب الحطام لاحقاً ووضع أمام إمارة نجران.

* بالعجمي الفصيح:

التفاصيل الحقيقية للقصة لم تأخذ حقها في التدوين بعد، فالبطل «محمد الوادعي» مازال حياً، ومثله خير محرك لرفع معنويات رجالنا على الجبهة. أما «اليامية» سيدة الحد الجنوبي فقد كرمت مادياً قبل أن تنتقل إلى رحمة الله، لكن في إطار الأدبيات السائدة لم تظهر «سيدة» إلا على نحو شبحي، فوجودها يجب أن يستظل بشخصية الرجل، رغم أن اسمها أثقل من أن يحمله الورق فقط.

* المدير التنفيذي لمجموعة مراقبة الخليج