في الوقت الذي يأخذ فيه الآخرون بمقولة عالم الفيزياء الياباني الأصل ميتشيو كاكو الشهيرة «نحن الآن في سبيلنا إلى التحول من لاعبي شطرنج هواة إلى أساتذة كبار، ومن مراقبين للطبيعة إلى مصممين لها» يعمد البعض هنا إلى تكسير قطع الشطرنج وحرق الرقعة وتخريب كل شيء بحجج واهية وبمطالبات يمكن التوافق عليها بسهولة لو تم توظيف العقل قليلاً. هذا فارق مهم ويستدعي التوقف عنده ودراسته بكثير من الجدية، لأن ما يحدث هناك وهنا يعني باختصار أنهم يتقدمون ونتأخر، ويكسبون ونخسر، ويتميزون وننزوي، ويحيون ونموت.

أي ديمقراطية هذه التي اعتمدوها عنواناً وهم ربما لا يدركون معناها ولا يستطيعون تطبيقها حتى في بيوتهم؟ وأي مطالبات هذه التي تستحق كل هذه الخسائر التي يتكبدونها ويتكبدها الوطن يومياً؟ العالم كله يسير في طريق وهذا البعض يسير في طريق آخر، ويفكر بطريقة أخرى، ومع هذا ورغم كل شيء يأمل أن يحصل على كل شيء ويحقق «النصر المؤزر»!

الخطأ الذي ارتكبه ويرتكبه ذلك البعض، أو بالأحرى من يعتبره قادة له، واضح جلي، ويؤكد بعدهم جميعاً عن العمل السياسي وإدخال أنفسهم فيه عنوة، فما يقومون به لا علاقة له بالسياسة، والدليل هو أنه لم يوصلهم إلى النهاية المبتغاة ولا يمكن أن يوصلهم إلى نهاية موجبة، وهذه نهاية تختلف عن النهاية التي يظفر بها سالك العمل السياسي، فهذا الدرب لا بد أن يوصل في كل الأحوال إلى تحقيق بعض المطالب حتى لو كانت صعبة.

ما يمنع ذلك البعض من تحقيق حتى البسيط من المكاسب هو أنهم رفعوا سقف المطالب بطريقة لا يمكن استيعابها وتقبلها واعتبروا كل إنجاز تحققه الدولة دون الإنجاز وأنه لا قيمة له، وما يمنعهم من تحقيق أي شيء هو أنهم وضعوا بيضهم في سلة الأجنبي الذي لا تهمه سوى مصلحته ولا يسعى إلا إليها، وما يمنع قبول الآخر -المتمثل في الحكومة وفي مختلف الأطراف ذات العلاقة- لهم هو أنهم يريدون أن يظفروا بكل شيء وبضربة واحدة، وقبل هذا بإلغاء الآخر واعتبار أنفسهم الأساس والأصل وكل شيء.

كل هذه أخطاء يتمنى المرء أن ينتبه إليها ذلك البعض ويدرسونها جيداً ويستفيدون منها، وهناك بالتأكيد أخطاء أخرى كثيرة ينبغي عدم تجاوزهم لها، فعندما يلغون الآخر فإن من الطبيعي أن يعمد الآخر إلى إلغائهم، وعندما يطالبون بإسقاط النظام فإن من الطبيعي أن تعمد السلطة إلى حماية نفسها واتخاذ ما يطمئنها من إجراءات وإن كانت قاسية، وعندما يطالبون بأمور مثل الحوار ويضعون كل العراقيل لإفشاله فإن من الطبيعي ألا يصير هناك حوار.

أخطاء كثيرة ارتكبها ولايزال يرتكبها ذلك البعض، والمؤسف أن منهم من يمتلكون الخبرة والتجربة في العمل السياسي، ومنهم من يفترض أن يحكمه العقل وتقوده الحكمة. ومع هذا لا يمكن القول إن كل الأبواب صارت موصدة وأن الحال سيبقى على ما هو عليه حتى قيام الساعة، فالبحرين التي أنجبت أولئك أنجبت أيضاً من يمكنهم أن يقوموا بعمل موجب ويحققوا النتائج المرجوة، وهم ولله الحمد كثر، وليس المطلوب منهم سوى أن يفارقوا حالة السكون التي جمدوا أنفسهم فيها ويتحملوا مسؤولياتهم ويعملوا من أجل وطنهم.

تصرم شهر رجب ولم يبقَ على حلول شهر رمضان المبارك سوى شهر واحد، والعقل يدفع إلى العمل من الآن على الاستفادة من شهر الله الذي تكبل فيه الشياطين وتصفو وتسمو فيه النفوس، فهل من يبدأ العمل في هذا الاتجاه كي «نتحول إلى أساتذة شطرنج كبار ونشارك في تصميم الطبيعة»؟