أولت المملكة العربية السعودية، عقب تسلّم خادم الحرمين الشريفين العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود مقاليد الحكم في البلاد، مطلع العام 2015، اهتماماً بالغاً بمسألة توطين الصناعات، أهمها الصناعات العسكرية والدفاعية.

وتخطط الرياض لإنشاء صناعة محلية لتصنيع السلاح وتوفير قرابة 60-80 مليار دولار مما تنفقه السعودية على شراء الأسلحة من الخارج، حسبما صرّح ولي ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، لصحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، في 21 أبريل الحالي، وفقا لما ذكره موقع "الخليج أون لاين".

ودفعت واردات السعودية من الأسلحة مبيعات الأسلحة العالمية للزيادة بنحو 10% خلال العام 2016، بحسب تقرير لمنظمة "أي إتش إس"، للمراقبة والتحليل الاقتصادي. حيث قفزت واردات الأسلحة بنسبة 50% خلال العام، لتصل إلى 9.3 مليارات دولار، في أكبر عملية نمو في الشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا.



وتهدف السعودية من خلال التوطين إلى خفض النفقات، بتعزيز الصناعات المحلية عبر تنفيذ شراكات وتحالفات مع شركات عالمية، وإنشاء قطاعات محلية للترفيه السياحي؛ للحصول على جزءٍ مما ينفقه السعوديون سنوياً حينما يسافرون للخارج، حيث تُقدر تلك الأموال بـ 22 مليار دولار، في خطوات عملية لمواجهة تراجع الإيرادات بسبب هبوط أسعار النفط.

وبحسب معهد استوكهولم لأبحاث السلام "غير حكومي"، أنفقت السعودية على التسليح العسكري خلال 2015 نحو 82.2 مليار دولار، أي ما يعادل 5.2% من الإنفاق العالمي، بعد الولايات المتحدة والصين، متقدّمة على روسيا، واحتلت المرتبة الثالثة عالمياً من حيث الإنفاق العسكري.

وأبرزت "رؤية السعودية 2030" مسألة توطين الصناعات العسكرية بنسبة 50% مقارنة مع 2% حالياً، وتخطط المملكة لإنشاء شركة قابضة للصناعات العسكرية مملوكة بنسبة 100% للحكومة، بحسب تصريحات ولي ولي العهد السعودي.

وتريد السعودية من خلال توطين الصناعات العسكرية تلبية احتياجات قواتها، وتقليل نفقات الدفاع التي بلغت 191 مليار ريال "قرابة 50.8 مليار دولار" عام 2017، بزيادة 6.7% عن عام 2016.

وعملت الرياض، خلال السنوات الأخيرة، على افتتاح مصانع جديدة، واستكمال برامج التصنيع العسكري وتطوير الأسلحة، وتنظيم عدد من المناورات العسكرية، أو المشاركة فيها، على المستوى المحلي والإقليمي والدولي.

شركة "السلام" لصناعة الطيران السعودية -التي تأسست تحت مظلّة برنامج التوازن الاقتصادي التابع لوزارة الدفاع- كشفت في وقت سابق أن الرياض تتّجه إلى صناعة الطائرات العسكرية بشكل كامل داخل المملكة.

وتبذل السعودية جهوداً على مسارات عدة لتوطين الصناعات العسكرية فيها، أبرزها افتتاح مصانع جديدة، واستكمال برامج التصنيع العسكري وتطويرها، والدخول في تحالفات واتفاقيات جديدة لتطوير الصناعات العسكرية، وعقد لقاءات واجتماعات مع كبرى شركات التصنيع العسكري في العالم لبحث آفاق التعاون المستقبلي.

وفي 27 مارس 2016، افتتح مصنع للقذائف العسكرية، وآخر لأنظمة الاتصالات العسكرية جنوب شرق العاصمة الرياض، بتكلفة بلغت نحو 240 مليون دولار، لإنتاج القذائف المدفعية ومقذوفات الهاون، وكذلك القذائف الثقيلة وقنابل الطائرات التي تتراوح أوزانها بين 500 و2000 رطل.

وافتتحت السعودية أيضاً، في 25 ديسمبر 2016، مصنع أنظمة الاتصالات العسكرية في المؤسّسة العامة للصناعات العسكرية بالرياض، وينتج المصنع -الذي تبلغ طاقته الإنتاجية نحو 2000 جهاز سنوياً- خمسة أنواع من أجهزة الاتصالات "المعرّفة برمجياً" SDRV/UHF.

وكشف الرئيس التنفيذي لشركة السلام لصناعة الطيران، يحيى الغريبي -في حوار صحفي- عن خطوات حثيثة لصناعة الطائرات العسكرية بشكل كامل داخل المملكة، بما فيها قطع الغيار، وقال إن الأعوام العشرة المقبلة ستشهد بدء صناعة بعض الطائرات، حيث إن 90% من المواد الهيكلية سيتم تصنيعها داخلياً بحلول 2030.

وحقّقت الرياض تقدّماً كبيراً في التعاون مع دول إقليمية من أجل توطين الصناعات العسكرية في السعودية، فقد أعلنت شركة "أسيلسان" التركية للصناعات العسكرية والإلكترونية، في 27 ديسمبر 2016، أنها بدأت التعاون مع شركة "تقنية" السعودية للتنمية والاستثمار التقني "حكومية"، في تأسيس شركة للصناعات الدفاعية الإلكترونية المتطورة في المملكة، برأسمال بلغ 6 ملايين دولار.

وعقد المسؤولون السعوديون، خلال السنوات الأخيرة، لقاءات واجتماعات عديدة مع مسؤولي كبرى شركات التصنيع العسكري في العالم لبحث آفاق التعاون، منها ألمانيا وفرنسا وأمريكا والصين. حيث بحث ولي ولي العهد السعودي، في نوفمبر 2016 بالرياض، مع الرؤساء التنفيذيين لشركات "داسو" و"تاليس" الفرنسيتين، و"ريثيون" الأمريكية، توطين الصناعات العسكرية.

وبالتزامن مع برامج توطين الصناعات الدفاعية، نظمت السعودية العديد من المناورات العسكرية محلياً وإقليمياً ودولياً؛ منها في مياه الخليج العربي، ومضيق هرمز، وبحر عُمان، والبحرين والكويت وقطر والسعودية والصين وتركيا والأردن.

دفعت الصراعات في سوريا واليمن، وصعود تنظيم داعش، بلدان منطقة الشرق الأوسط إلى زيادة وارداتها من السلاح بنسبة 86% على مدار الأعوام الخمسة الماضية، أي ما يُمثِّل 29% من واردات العالم، وفقاً لمعهد استوكهولم لأبحاث السلام.

وعقدت الصين، في مارس 2017، اتفاقاً مفاجئاً لتصنيع الطائرات العسكرية بدون طيَّار في مصنعٍ بالمملكة العربية السعودية.

ويُشكِّل الاتفاق جزءاً من مجموعة من اتفاقات تصل قيمتها إلى 60 مليار دولار، اتُّفِقَ بشأنها خلال زيارة الملك سلمان إلى الصين، التي شهدت كذلك تطوير البلدين لمصافي النفط، والتعاون في مهمة استكشاف القمر الصينية Chang E-4.

ويأتي الاتفاق في الوقت الذي تواصل فيه السعودية وجيرانها الخليجيون رغبتها للحصول على الأسلحة، للتعامل مع تهديدات مكافحة الإرهاب في أرجاء المنطقة، حسب تقرير لموقع "ميدل إيست آي" البريطاني.

وسيُنتج المصنع، الذي يُعَد الأول للصين في الشرق الأوسط، طائرات "CH-4 Caihong"، التي تنتجها شركة الصين للعلوم والتقنيات الجو-فضائية، أو المعروفة باسم طائرات "الرينبو" بدون طيَّار، وكذلك المُعدَّات المرتبطة بها، والتي ستُطوِّر خدمات ما بعد البيع للعملاء في الشرق الأوسط.