«سوق العمل يحتاج إلى المهارات لا الشهادات»، هذا ما صرحت به وزيرة التنمية الاجتماعية السابقة د.فاطمة البلوشي خلال الملتقى الأول للمبرة الخليفية وهي تقدم محاضرة «تعزيز دور الحكومات في الريادة الاجتماعيــة».

البلوشي كشفت حقائق وأرقاماً خطيرة تعطي فكرة عن خارطة الطريق المستقبلية فيما يخص مستقبل المهن والوظائف في دول الخليج العربي، والتي يجب أن ينتبه لها الشباب، وهم على مقاعد الدراسة في المدارس، عند اختيارهم لتخصصاتهم الجامعية، حيث أفادت بأن صندوق النقد الدولي قد أورد أن قيمة العجز المتوقع في موازنات دول الخليج العربي تبلغ 145 مليار دولار، كما كشفت أن هناك 80 مليار دولار أمريكي يخرج من الاقتصاد الخليجي بصورة سنوية عن طريق العمالة الأجنبية في المنطقة رغم أن هناك 15 مليوناً من مواطني دول المجلس سينضمون إلى قوة العمل خلال السنوات العشر القادمة، وأنه منذ عام 2003 إلى 2013 تم استحداث 7 ملايين وظيفة في سوق العمل بدول مجلس التعاون، مليونان منها فقط ذهبت إلى المواطنين، وأنه من المتوقع بين عامي 2013 إلى 2018 أن يتم استحداث 6 ملايين وظيفة، وإذا ما استمر الوضع على ما هو عليه فإن 4 ملايين وظيفة منها سوف يخسرها مواطنو الخليج العربي!

عندما نتأمل الوضع في دول الخليج العربي ونرى عدم توازن كفتي أعداد الخريجين الخليجيين الذين يتحولون «أوتوماتيكياً» إلى عاطلين عن العمل مقابل فرص الوظائف المتعددة والتي غالباً ما تنالها العمالة الوافدة خاصة في القطاعات التنموية المستحدثة نرى أن سبب خسارة الوظائف التي تتوافر في دول الخليج العربي وذهابها إلى العمالة الوافدة يأتي لعدة أسباب، أهمها التغيير المستمر الحاصل في قطاعات الأعمال، كما أن هناك وظائف لا تحتاج إلى الشهادة الجامعية، بقدر حاجتها إلى الخبرة والمهارة المطلوبة، فعندما نأتي إلى أرض الواقع نجد أن هناك طلبة يحملون شهادات جامعية في تخصصات معينة، لكنهم مبدعون ولديهم مهارات هائلة في مجالات أخرى، كالتصميم والتصوير والمونتاج وإنتاج برامج الكمبيوتر والتطبيقات الإلكترونية وغيرها من مجالات أصبحت كل المؤسسات وقطاعات الأعمال تحتاجها اليوم، أمام الطفرة الإلكترونية التي نعايشها، لذا هناك حاجة اليوم في واقع المهن الخليجية إلى أن نستكشف المهارات الإبداعية لدى الطالب الجامعي ونعمل على صقلها بالدراسة والتدريب ودفعه للاتجاه إليها مهنياً أكثر من أن نطوره أكاديمياً فقط في مجالات بعيدة عن حاجة السوق العملية.

ومن هنا، الحاجة التي تفرض نفسها أننا نحتاج لإعادة هيكلة التخصصات الجامعية في جامعات دول الخليج العربي بما يتناسب مع واقع العمل المفروض علينا عالمياً.

وتفيد الدراسات بأنه سنوياً هناك ملايين المواطنين الخليجيين الذين ينضمون إلى سوق العمل وهو رقم فلكي لمن يتأمله، هذه الأرقام المفزعة تعني أن المستقبل المهني في دول الخليج العربي وأمام العجز المتوقع بات يحتاج إلى خطوات عاجلة لتداركه، كما أن هناك ضرورة ملحة لاحتواء قوة العمل الخليجية القادمة والتي قد يؤدي تعارض شهاداتها مع المتوفر من الوظائف إلى القفز بنا لأرقام خيالية فيما يخص البطالة أو حتى تزايد حالات البطالة المقنعة التي تعرقل التنمية وتستنزف موازنات الدولة دون مردود إيجابي، ومن يدري لعل هذا يدفعنا إلى الوصول لنتيجة تكمن في أهمية إيجاد اتحاد تعليمي خليجي يعمل على ضبط مخرجات التعليم ورسم خارطة الطريق للتخصصات الأكاديمية بما يتواءم مع احتياجات سوق العمل المقبل.

البلوشي استعرضت أيضاً دراسة تكشف أن 63% من طلبة الجامعات يحصلون على شهادات ليس لها علاقة بسوق العمل، و5% من الطلبة فقط يقولون إن لديهم معلومات كافية عن فرص العمل وطريقة التقديم لها، أي أن هناك 95% من الشباب ينتظرون فرص العمل عن طريق «الواسطة»!

ومن هنا كانت الحاجة التي دفعت لتأسيس منصة لتوطين الوظائف في دول الخليج العربي، وهي المنصة الوحيدة المتخصصة لتجميع مهارات واختصاصات مواطني دول المجلس واستعراض الوظائف الشاغرة على المستوى الخليجي لكي تستدل بها الطاقات الخليجية في سوق العمل، وقد بينت أن هناك العديد من الأسباب التي يصعب فيها توظيف المواطنين أهمها الرواتب المرتفعة للمواطنين مقابل الرواتب الأقل أجراً التي تطلبها العمالة الأخرى أي الأجانب، وأن أرباب العمل يطلبون الخبرة، كما أن ميولهم لتوظيف العمالة يأتي بسبب مهاراتهم وقدراتهم الاتصالية عكس المواطنين، لذا لا غرابة في أن نجد الوافد لا يعاني من البطالة في الخليج حيث يأتي ووظيفته تنتظره في حين المواطن هو من يعاني!

أمام كل هذه الحقائق وحتى نعمل على تقليل ظاهرة الوظائف بـ«الواسطة» وتعزيز منهجية الوظائف بالمهارات والخبرات المطلوبة التي تحتاجها قطاعات الأعمال المقبلة، علينا أن نبدأ من الآن في إعادة النظر ومسح ميادين العمل لتحديد التخصصات الجامعية مع إيجاد معاهد تدريبية لمنح الخريجين الخبرة العملية المطلوبة لبدء التغيير الفعلي وإحداث ثورة توطين الوظائف، فـ80 مليون دولار أمريكي، وهي قيمة الأموال المهاجرة التي تخرج سنوياً من دولنا الخليجية إلى دول العمالة الوافدة، نحن أحوج لها لخدمة الدورة الاقتصادية بداخل دولنا بدلاً أن تخدم دولهم، ونحتاج لإعادة تشغيل الأموال داخلياً لإحداث النمو الاقتصادي والمساهمة في التنمية.