زهراء حبيب:

حجزت المحكمة الكبرى الإدارية القضية المرفوعة من وزارة العدل والشؤون الإسلامية ضد جمعية العمل الوطني الديمقراطي "وعد" لارتكابها مخالفات جسمية وتطالب بحلها وتصفية أموالها للنطق بالحكم في جلسة 31 مايو الجاري.

وفي جلسة أمس قدم جهاز قضايا الدولة مرافعته أمام المحكمة، مشيرا إلي أن المذكرة التي قدمتها الجمعية جاءت لتقر فيها ولم تنكر المخالفات المنسوبة إليها، ودار جل دفاعها حول الباس تلك المخالفات عباءة الشرعية.


وذكر أن أبرز مالخالفات الجسيمة التي أرتكبتها الجمعية وصفها المدانين والمنفذ عليهم أحكام في قضايا قتل وتفجير وإرهاب "بالشهداء" مما يعد تأييداً للإرهاب وتحريض على تحسين الجرائم.

واستغرب جهاز قضايا الدولة، ممثلاً عن وزارة العدل، من تبرير المدعي عليها لأفعالها بأنها ضمن حرية الرأي والتعبير وحق النقد الذي كفلها الدستور، وبذات الوقت توصمه بعدم المشروعية وتوصفه بالساقط والمزور لإداردة الشعب، مشدداً على أن لكل إنسان حق التعبير عن رأية وفق الإطار القانوني.

وقال الجهاز في مرافعته بأنه يتضح جلياً ان المدعي عليها في مذكرتها تقر ولم تنكر المخالفات المنسوبة إليها، والمحمول عليها طلب الحل، وإنما دار جل دفاعها حول الباس تلك المخالفات عباءة الشرعية وثوب صحيح القانون بدءاً من منعاها على المادة 23 آنفة الذكر بعدم الدستورية مروراً بدفاعها الموضوعي والمحمول على عدم توافر أسباب الحل وفقاً لقناعتها.

وأضاف أن المادة 102 من قانون الإثبات قد عرفت الإقرار القضائي بانه اعتراف الخصم أمام القضاء بواقعة قانونية مدعي بها عليه، وذلك أثناء السير في الدعوى المتعلقة بهذه الواقعة، وكانت المادة 104 قد أوضحت الأثر المترتب على الإقرار القضائي بجعله حجة قاطعة على المقر وملزمة للقاضي بحيث يتعين عليه أن يأخذ بها في القضية المعنية التي صدر فيها الإقرار دون أن يكون له أية سلطة في تقديرها.

وفيما يخص بالدفع بعدم دستورية المادة 23 من قانون الجمعيات السياسية للمواد 23، 27، 31 من الدستور، فيما تضمنته من إسناد الاختصاص لوزير العدل بناءً على دعوى يقيمها أن يطلب من القضاء الحكم بحل الجمعية السياسية في حال ارتكابها مخالفات جسيمة لأحكام دستور المملكة أو قانون الجمعيات أو أي قانون آخر من قوانينها، يعتبر نيلاً من جوهر الحق والحريات العامة ومن ضمنها الحق السياسي. مما يعد مخالفاً لأحكام المواد المذكورة من الدستور، فأنه مردود عليه بان البين من ظاهر الدفع أنه ينحسر عنه الجدية ذلك أن بالمقابلة المبدئية بين النص الطعين والنصوص الدستورية المدعى مخالفتها يتضح تهاتر هذا الدفع.

وأوضح أن المادة 27 من دستور البحرين، جرت على أن حرية تكوين الجمعيات والنقابات، على أسس وطنية ولأهداف مشروعة وبوسائل سلمية مكفولة وفقاً للشروط والأوضاع التي بينها القانون بشرط عدم المساس بأسس الدين والنظام العام، بما مؤداه أن الدستور كفل حرية تكوين الجمعيات ومنها الجمعيات السياسية، وضمن حق الانضمام إليها، إلا أنه لم يشأ أن يطلق حرية تكوين الجمعيات إطلاقاً لا سبيل معه إلى تنظيمها وأنما أراد - حسبما نصت على ذلك المادة 27 منه أن يكون تكوين الجمعية على أسس وطنية وأهداف مشروعة وبوسائل سلمية وعدم مساسها بأسس الدين والنظام العام، كما جعل التنظيم التشريعي فيه أمراً مباحاً إّذ عهد إلى القانون بتنظيم الجمعيات.

وإيماناً منه بخطورة وأهمية الدور الذي تؤديه الجمعيات السياسية في المشاركة في الحياة السياسية وترسيخ مبادئ السلام الإجتماعي والوحدة الوطنية فقد أجاز للمواطنين حق تكوين الجمعيات السياسية أو الأنضمام لأي منها ولم يترك ممارسة هذا الحق سدى، بل أحاطه بسياج من الضوابط والإجراءات التي تنظم ممارسته بما يضمن عدم الإنحراف في ممارسة النشاط السياسي عن الأهداف المرجوة من تكوين تلك الجمعيات.

وأناط المشرع بوزير العدل بإعتباره القوام على تطبيق أحكام قانون الجمعيات السياسية رقابة أداء تلك الجمعيات وتقويم اعوجاجها كلما نكلت عن طبيعة واجباتها إهمالاً أو انحرافاً.

ولفت إلي أن المشرع لم يعط الوزير في نطاق تلك الرقابة الحق في إزالة تلك الإعوجاج والإنحراف بطريق مباشر عن طريق قرارات إدارية بل آثر، حتى لا يكون أسباب وقف نشاط الجمعيات السياسية أو حلها في إطار اجتهادات السلطة التنفيذية وقيمها، أن يكون ذلك بموجب حكم قضائي يصدر بناءً على دعوى يقيمها الوزير يختصم فيها الجمعية المخالفة ويتناضلاً ويتواجها أمام القضاء الذي يصدر في النهاية حكمه في الطلب.

وأكد أن المشرع التزم بالقيود والضوابط المنصوص عليها بأحكام الدستور من خلال المفاضلة بين البدائل التي قدر مناسبتها لتنظيم موضوع مواجهة انحراف الجمعية السياسية عن الأهداف المرجوة من تكوينها وفق ما يراه محققاً للصالح العام ومتطلبات مجال التنظيم المعني ولوازمه.

وأشار إلي أنه سبق وعرض على المحكمة الكبرى تطبيق النص الطعين ولم يقم لديها شبهة في مخالفته لأحكام الدستور بل أوردته في حيثيات حكمها مما يقطع بسلامته دستوريا، إذ لو كان الأمر غير ذلك لاستعملت الرخصة التي منحها إياها قانون المحكمة الدستورية.

واستطرد قائلا بإن من أبرز المخالفات الجسيمة التي ارتكبها المدعى عليها والمتمثل في إطلاق وصف "الشهداء" على قتلة مدانين ومنفذ ضدهم لأحكام في قضايا قتل وتفجير وإرهاب بما يحمله ذلك من رغبة في تحبيذ الإرهاب والتحريض عليه، وما يحمل في طياته من اسقاط وتعريض للقضاء ونعتاً غير مباشر له بعدم العدالة وتأييدها بصورة صريحة جمعية الوفاق الإسلامية المنحلة بحكم قضائي أدانها بالتحريض على ممارسة العنف والطعن في شرعية الدستور، وكذلك تأييدها لأمينها العام السابق والمدان في قضايا من بينها الترويج وتحبيذ تغيير النظام السياسي في البلاد بالقوة والتحريض على بغض طائفة من الناس والتحريض على عدم الإنقياد للقوانين، وقيامها بتحدي سافر للقانون من خلال ضم عضو للجنتها المركزية أدين بجرائم الترويج لقلب نظام الحكم وإهانة جيش المملكة والدعوة والتنظيم والمشاركة في مسيرات غير مخطر عنها وهو المدعو إبراهيم شريف السيد، والذي قضى بمعاقبته بالسجن لمدة خمس سنوات لإدانته في الجرائم التي نسبت اليه بموجب حكم بات، مخالفة في ذلك قانون الجمعيات السياسية التي تشترط في العضو أن يكون متمتعاً بكافة حقوقه المدنية والسياسية.

كما أن موقف الجمعية السافر من شرعية الدستور وسعيها الدؤب في كل محافلها على إثارة الخواطر وإهاجة المشاعر ضد الشرعية الدستورية، كل تلك الأفعال تجعل من المدعى عليها منحرفة عن الغايات والأهداف التي سعى المشرع الى تحقيقها، وعن المصلحة الإجتماعية المرجوة من هذا الكيان القانوني الذي أنشأه، بحيث أضحى عقبة تناقض وتتعارض مع الثوابت الوطنية التي يقوم عليها نظام الحكم في المملكة، ويكون معه وصف أفعالها وما آلت اليه من انحراف في أيدولوجياتها عن جادة السبيل بالمخالفة الجسيمة للدستور وقانون الجمعيات السياسية على سند من الواقع والقانون يكفي لحمل طلب الحل.

ولفت إلي أن الفعل المنسوب للمدعي عليها لا يدخل في حمأة التجريم الجنائي الذي يتطلب توافر أركان التحريض لتحقيق المساهمة الجنائية في جريمة ما، وإنما يدخل في سوءة الأعمال التي تخرج الفعل عن الثوابت الوطنية والحث على أفعال معينة يؤثمها القانون، فلا جدال أن وصف قتلة مدانين ومنفذ ضدهم لأحكام في قضايا قتل وتفجير وإرهاب بالشهداء إنما يعتبر تحريض على تحسين الجرائم من خلال تصوير الأفعال المعتبرة جريمة في صورة أفعال مشروعة تقتضي الإستحسان والتأييد، مبيناً بأن التحسين هنا مقصود به استحسان الفعل وهو مرادف للتحبيذ ويدخلان معا، كما أن اسقاط غير مباشر على القضاء ونزاهته وعدالته، إذ أن وصف الجاني المقضي في حقه حكماً باتاً بالإعدام لجرائم اقترفها رتب القانون عليها تلك العقوبة بـ " الشهيد " إنما هو تعريض لحكم القضاء ونعتاً غير مباشر له بعدم العدالة.

وأفاد بأن ما جاء في دفاع المدعي عليها من تشدق بمواقفها الظاهرة من خلال البيانات التي تصدرها بتمسكها بالسلمية ونبذ العنف والإرهاب، ذلك أن هذا الظاهر سرعان ما انكشف وانفضح الزيف حينما اعتبروا القتلة المحكوم عليهم بالإعدام في قضايا تفجير وإرهاب بشهداء الحق، وهاهي الأن تقر بهذا الفعل وتعتبره مشروعاً لأن إطلاق وصف الشهداء لا يخالف أي نص قانوني صحيح تكون قد جاءت مبرراتها لإضفاء الشرعية على تلك المخالفة محمولة على أسباب، ولئن كانت تصلح نفياً لجريمة الإشتراك في عمل إرهابي وفقاً لقانون العقوبات، إلا أنها في نطاق قانون الجمعيات السياسية تعتبر إرهاصات وتخرصات فارغة لا تكفي لنفي أسباب الحل.

وفي سياق تبرير مساس المدعى عليها لشرعية الدستور وطعنها عليه "وذلك عن طريق رفضها لدستور 2002 واعتباره "ساقطاً وغير شرعي" وتم "طبخه" في الخفاء وفي غفلة من المواطنين، وأنه "زور إرادة الشعب" وأنه دستور غير شرعي منتهية صلاحيته قبل أن يبدأ وأنه جاء خلافاً للتعهدات التي وضعت في الميثاق، وأنه جعل السلطة التشريعية دور ثانوني تابع للحكم، اتكأت المدعى عليها في مساسها الفج هذا الى حرية التعبير والرأي المنصوص عليها بالمادة 23 من الدستور وحق النقد بإعتباره نوعاً من حرية التعبير وهو أمر مثير للدهشة فأن المدعى عليها وهي توصم الدستور بعدم المشروعية وتوصفه بالساقط والمزور لإرادة الشعب تحتكم تبريراً لفعلها الى حرية الرأي والتعبير وحق النقد الذين كفلهما الدستور.

وذكر أن المشرع الدستوري كفل بالمادة 23 حرية الرأي، وأعطى لكل إنسان حق التعبير عن رأيه،لكنه تطلب أن يوضع هذا الحق في الإطار الذي يبينه القانون، وقيده بعدم المساس بأسس العقيدة ووحدة الشعب وبما لا يثير الفرقة أو الطائفية.

وأكد أن قانون الجمعيات السياسية ألزم في الماد 4/7 منه كافة الجمعيات المخاطبة بأحكامه بعدم الارتباط أو التعاون مع أية أحزاب أو تنظيمات أو جماعات أو أفراد أو قوى سياسية تقوم على معاداة أو مناهضة المبادئ أو القواعد أو الأحكام المنصوص عليها في الدستور، لذلك يشكل التآزر مع الأمين العام السابق لجمعية الوفاق المنحلة صورة من صور الارتباط المنهي عنه بموجب تلك المادة،مما يجعل مسلك الجمعية التضامني ينحل في ذاته سببا لحلها.

وفيما يخص الدفع الموضوعي المتعلق بتمتع ابراهيم شريف بحقوقه المدنية والسياسية فان المادة (5) من قانون الجمعيات السياسية نصت على أن " يشترط في العضو المؤسس أو العضو الذي ينضم للجمعية بعد إعلان تأسيسيها أن يكون بحرينيا، متمتعا بكافة حقوقه المدنية والسياسية"، كما نصت المادة الثالثة من قانون مباشرة الحقوق السياسية المعدلة بالقانون رقم 36 لسنة 2006 على أن " يحرم من مباشرة حق الانتخاب المحكوم عليه بعقوبة جناية أو في جريمة مخلة بالشرف أو الأمانة حتى يرد إليه اعتباره........" وقضى ابراهيم شريف محكوميته بالسجن لمدة خمس لإدانته في الجرائم التي نسبت إليه بموجب حكم بات، الأمر الذي يترتب عليه لزاما حرمانه من مباشرة حق الانتخاب مما يفضي إلى تجرده من حق الانتساب لأية جمعية سياسية إلى أن يرد إليه اعتباره.

وقال بانه بإمعان النظر في ماهية الممارسات السابق إيضاحها، مدموغة بمخالفة الدستور ومقومات دولة القانون على نحو جسيم لا يمكن التغاضي عنه، إذ يشكل الإبقاء على الجمعية المدعى عليها تهديدا حقيقا وخطرا على السلام الاجتماعي، لذلك طال برفض الدفع بعدم دستورية المادة 23 من قانون الجمعيات السياسية، وحل الجمعية.

وترأس الجلسة،القاضي جمعة الموسى، وعضوية القضاة الدكتور محمد توفيق وطارق عبدالشكور ومحمد الدسوقي وأمانة سر عبد الله إبراهيم.