تكتسب زيارة حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى، إلى مملكة ماليزيا أهميتها من العديد من الاعتبارات، فإضافة إلى أنها الأولى من نوعها على هذا المستوى، فإن الزيارة بطبيعتها والوفد الكبير المشارك فيها تبشر بمستقبل واعد للعلاقات بين البلدين الصديقين، خاصة أن هناك إرادة قوية من قبل قيادتي وشعبي البلدين لدعمها والدفع بها قدما لتحقيق مزيد من التعاون بما يشمل جميع القطاعات والمجالات.

ويرى محللون وخبراء أن الزيارة السامية لا تنبع أهميتها مما سبق فحسب، ولا حتى من التوقيت والأجواء التي تتم فيها، حيث كثير من الملفات والقضايا الإقليمية والدولية المطروحة للنقاش، وتستدعي التباحث والتشاور بِشأنها لما لها من أهمية على حاضر ومستقبل البلدين، وإنما لأن هذه الزيارة تأتي في إطار توجه البحرين الاستراتيجي إلى الشرق، والذي دعمته زيارات القيادة السياسية المتعددة إلى دول شرق وجنوب آسيا، وكم الاتفاقيات المتعددة التي تم توقيعها مع دول آسيوية كبرى خلال السنوات الماضية، الأمر الذي يتوقع معه أن تفتح الزيارة السامية لماليزيا آفاقاً جديدة للتعاون الوثيق بين بلدين لهما من الثقل والوزن في محيطيهما، فالبحرين مختبر استقرار أمن الخليج، وماليزيا تعد قطباً إقليمياً رئيسياً في جنوب شرق آسيا.

وفي واقع الأمر، أن الزيارة السامية والمباحثات المنتظر أن تجري بين جلالة العاهل المفدى وكبار المسؤولين في ماليزيا ينظر لها بأنها أساس لا غنى عنه لضمان الوصول إلى أعلى مستوى من مستويات التعاون المشترك، خاصة في ظل ما يربط البلدين من روابط وثيقة، أهمها:



عمق العلاقات التاريخية التي تربط البلدين، والتي تعود جذورها إلى قرون مضت، وما يجمع بينهما من روابط حضارية وثقافية تحتم عليهما مزيداً من التنسيق والتقارب، وذلك لتحقيق تطلعات وآمال شعبي البلدين في غد أكثر رخاء وإشراقاً، كما يدعم هذا العمق في العلاقات الذي يضرب بجذوره في أعماق التاريخ ذلك التوافق الكبير في وجهات النظر والمواقف بين البلدين بشأن الكثير من القضايا الإقليمية والدولية، وفي مقدمتها، مكافحة الإرهاب وعدم ربط الإرهاب بأي دين سماوي، فضلا بالطبع عن القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي وغيرها من قضايا التوتر والصراع في العالم أجمع.

الزيارات المتعددة بين قيادتي ومسئولي البلدين، وكان أبرزها، زيارة سمو ولي العهد لماليزيا مارس 2013، علاوة على أحدثها عندما قام وزير الدفاع الماليزي في إبريل الجاري بزيارة إلى المملكة التقى خلالها كبار المسؤولين، والمعروف أنه مر على تأسيس العلاقات الدبلوماسية بين البلدين أكثر من 42 عامًا، إذ بدأت رسمياً في 25 نوفمبر 1974، وتم فتح أول سفارة لماليزيا في البحرين عام 2003، وذلك بعد زيارة هامة لرئيس وزراء ماليزيا في ذلك الوقت مهاتير محمد للمملكة، حيث تم توقيع العديد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم، كما تم إنشاء لجنة مشتركة في نفس العام، وأسست جمعية للصداقة بين البلدين عام 2016.

تقارب التجربة التنموية والإصلاحية في كلا البلدين، إذ أسست المملكتان نموذجًا رائدا للإصلاح والتطوير الشامل خلال فترة قصيرة نسبيا من عمرهما، وانطلقتا من خلاله بقوة لتحقيق نهضة شملت جميع الميادين بفضل جهود قيادتي البلدين والإرادة والعزيمة الصلبة للشعبين الكريمين، والذي جعل من ماليزيا أحد النمور الآسيوية الواعدة، وجعل من مملكة البحرين المملكة الواعدة في الخليج العربي وفقًا للتقارير الدولية. ومن المؤمل أن يكون لهذا التقارب في التجارب التنموية والفرص المتبادلة في الاستفادة منها، دور كبير في الدفع نحو مزيد من التقارب بين البلدين، خاصة على الصعد الشعبية والأهلية من خلال تنظيم وإقامة الفعاليات التجارية والثقافية والسياحية والتعليمية والعلاجية وغيرها.

كما إن دور البلدين المؤثر في تمتين الروابط بين مجلس التعاون الخليجي من جهة ورابطة الآسيان من جهة أخرى، فقامت البحرين بالشراكة مع ماليزيا بجهود مكثفة في تدعيم التعاون بين المجموعتين الاقتصاديتين الكبيرتين حينما تم اختيار البلدين كمنسقتين عن المجموعتين خلال السنوات 2013-2016، وعملتا على تطوير اَليات الحوار المشترك بينهما، وسعت كل منهما إلى الإعداد لإبرام اتفاقية إطارية اقتصادية بين المنطقتين، وإبرام اتفاقية للتجارة الحرة، وإبرام اتفاقيات في المجال التعليمي والثقافي وفي مجال الأمن الغذائي الذي يستحوذ على اهتمام بالغ من قبل مجلس التعاون الخليجي وقضية أمن الطاقة التي تهم دول رابطة الأسيان.

ونتيجة لقوة هذه العلاقات ومتانتها على جميع المستويات، تسعى كل من البحرين وماليزيا إلى زيادة فرص وآفاق التعاون المشترك ليشمل العديد من القطاعات الأخرى، ومن ذلك: الاهتمام الكبير لزيادة حجم التبادل التجاري بينهما ليكون متناسبًا مع مستوى العلاقات القوية القائمة.

وعلى الرغم من أن حجم التبادل التجاري لا يتعدى 215 مليون دولار حاليا، إلا أن الطموح أن يصل لمليار دولار في غضون السنوات المقبلة، خاصة مع دعم القيادتين والحكومتين الصديقتين لهذه العلاقات، وتكثيف تبادل الزيارات بين الوفود التجارية ورجال الأعمال في البلدين للاستفادة من فرص الاستثمارات المتاحة بينهما، والاستفادة من المشاريع الصناعية والتجارية القائمة عبر شراكة صناعية وتجارية تخدم توجهات البلدين.

ويدعم هذه الرغبة في تفعيل وتمتين التعاون المشترك 3 محركات، أولها، اتفاقيات وبروتوكولات التعاون الموقعة بين البلدين في مجالات عديدة كالتعليم والتعليم العالي وتكنولوجيا المعلومات والحكومة الإلكترونية والنقل والسياحة وتنشيط السياحة وغيرها، وهي الأطر القانونية التي تحظى باهتمام خاص لدعمها وتنفيذها على أرض الواقع.

ويوجد أكثر من 600 طالب بحريني يدرسون حاليًا في ماليزيا، كما أن أعداد السياح البحرينيين إلى ماليزيا تتزايد عامًا بعد آخر ووصلت عام 2015 لأكثر من ثمانية آلاف سائح بحريني، وفي المقابل هناك أكثر من 500 مواطن ماليزي يعملون في المملكة في القطاعات المختلفة.

المحرك الثاني الدافع لتمتين العلاقات الثنائية بين البحرين وماليزيا يتعلق بعراقة البلدين وخبرتهما الطويلة التي اكتسبتاها في المجال المالي والمصرفي وبخاصة في مجال الصيرفة الإسلامية، حيث تعتبر البحرين مركزا ماليا مهما في الخليج، ورائدة العمل المصرفي الإسلامي بالمنطقة، في حين أن ماليزيا تعتبر دولة عريقة في مجال الخدمات المصرفية الإسلامية على مستوى العالم أجمع.

يشار إلى أن البلدين يعملان بقوة لتعزيز خبراتهما المشتركة في المجال وبالشكل الذي يدعم القطاع المالي والمصرفي الإسلامي. ومن نماذج التعاون في هذا الصدد اختيار أكبر بنكين ماليزيين فتح أفرع لهما في البحرين، واختيارهما المنامة لتغطية الخدمات البنكية في المنطقة الخليجية والعربية.

أما المحرك الثالث، فهو نجاح الشركات الماليزية وبالتعاون مع رؤوس أموال ورجال أعمال بحرينيين في تنفيذ العديد من المشروعات في المملكة، فضلا عن التعاون القائم في المجالات الزراعية والصناعات الغذائية والصناعات الصغيرة والمتوسطة، ومنها قيام الشركات الماليزية باتخاذ البحرين كمركز لتوزيع المنتجات الحلال لدول مجلس التعاون الخليجي الأخرى مستفيدة من موقع المملكة الاستراتيجي، كما يتطلع البلدان أيضا إلى الارتقاء بمستوى التعاون بينهما في مجال الطاقة والطاقة البديلة والبيئة.