تأتي زيارة جلالة الملك حمد بن عيسى ال خليفة عاهل البلاد المفدى حفظه الله ورعاه لسلطنة بروناي دار السلام لتؤكد من جديد أن توجه المملكة نحو الشرق يعكس إدراكًا عميقا من القيادة الرشيدة بأهمية بناء علاقات قوية ومتينة مع دول القارة الآسيوية في عمومها، ولسلطنة بروناي بشكل خاص، سيما مع حجم وكثافة الاتصالات المتبادلة بين الدولتين خلال السنوات الأخيرة، واستهدفت ضخ دماء جديدة في شرايين العلاقات المشتركة.

ويُنظر للزيارة السامية لسلطنة بروناي بأنها لبنة جديدة في حائط بناء العلاقات الثنائية بين الدولتين، التي زادت توطدا ورسوخا خلال السنوات الماضية استنادا إلى عدة دعائم قوية:

الأولى: الاتفاقيات العديدة التي تجمع البلدين، خاصة تلك الموقعة في يناير 2003 لتعزيز التعاون في القطاعات الاستثمارية والمالية وفي مقدمتها قطاع الخدمات المصرفية والمالية، فضلا عن اتفاقيتي تشجيع الاستثمار وتجنب الازدواج الضريبي الموقعتين في يناير 2008، وبروتوكول تعديل الاتفاقية الأولى المذكورة سلفا في ديسمبر 2012 الذي دخل حيز النفاذ يوم 31 ديسمبر2014. والمعروف أن هذه الاتفاقات، وغيرها من بروتوكولات التعاون الموقعة بين البلدين في المجالات المختلفة، لم يكن الغرض منها فحسب توفير الإطار القانوني اللازم للتعاون المشترك، وإيجاد الظروف الملائمة لتعاون اقتصادي أوسع، وإنما أيضا: تهيئة البيئة المواتية لدعم هذا التعاون بما يضمن تأطيره وتوسيع مجالاته في إطار من المصالح المتبادلة، وحماية استثمارات مستثمري البلدين، وهو الأمر الذي كان من شأنه تحفيز المبادرات التجارية بين البلدين، وإعطاء مواطني البلدين في البلد الآخر حوافز تشجيعية لدعم عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية.


الدعامة الثانية: سعي البحرين لتنفيذ مشاريع مشتركة مع بروناي باعتبارها من بين أقوى اقتصادات العالم وأغناها قاطبة، ويدفع إلى ذلك: إيمان القيادة الرشيدة الراسخ بضرورة تنويع علاقات المملكة والانفتاح على كافة الدول، سيما منها الدول الآسيوية، وبخاصة بعد نجاح الزيارة السامية إلى ماليزيا. فضلا عن توافق الرؤى والمواقف بين البلدين إزاء العديد من الملفات والقضايا، ويتجلى ذلك واضحا بالنظر إلى جملة الزيارات التي تمت بين مسؤولي وقيادتي البلدين خلال السنوات العشر الأخيرة.

ويبدو مهما هنا الإشارة إلى استقبال سمو رئيس الوزراء لولي عهد سلطنة بروناي بمناسبة زيارته للبلاد في إبريل 2008، وفي نفس العام استقبل سمو ولي العهد لوزير المالية الثاني بالسلطنة، كما استقبل سمو رئيس الوزراء وزير خارجية وتجارة بروناي عام 2009، واجتمع معالي وزير الخارجية بوزير خارجية وتجارة بروناي على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2013.

الدعامة الثالثة: الآمال المعقودة على الزيارة السامية لبروناي، والتي يُتوقع أن تخلق معها فرصا واسعة للتعاون، ويمكن أن تعود بالخير على البلدين، لا سيما في ضوء العلاقات الأخوية التي تربط قيادتي البلدين، حيث يلاحظ أن أول زيارة للعاهل المفدى إلى بروناي كانت عام 2004، وهي الزيارة التي وضعت أسس تنمية العلاقات المشتركة، وكانت سببا في الدخول في مشروعات ثنائية أسهمت وما زالت تسهم في زيادة حجم التبادل التجاري والاقتصادي بين البلدين، هذا إلى جانب تعزيز عملية تبادل الزيارات والاستفادة من خبرات البلدين على الأصعدة كافة.

وقد قوبلت هذه الزيارة بزيارة أخرى من جانب سلطان بروناي إلى مملكة البحرين في مايو 2004، أجرى خلالها مباحثات هامة مع جلالة الملك المفدى. وقد سبق هاتين الزيارتين الساميتين زيارة أخرى إلى بروناي قام بها سمو الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء، وذلك عام 2003، وتم التوقيع خلالها على مذكرة تفاهم في شئون التعاون الاقتصادي والمالي والاستثماري والمصرفي في البلدين.

في ضوء هذه القواسم المشتركة التي تجمع البلدين، فإنه يمكن القول إن الزيارة السامية لبروناي تبشر بمستقبل جيد للتعاون القائم بين البلدين، خاصة أنهما ينتميان لقارة واحدة ومصدر حضاري واحد، ويعدان من الكيانات المهمة في محيطيهما، وتتشابه إلى حد كبير أوضاعهما الجيوسياسية باعتبارهما دولتين بحريتين يعتمدان التجارة الحرة سبيلا لهما من أجل النمو، ناهيك بالطبع عن كون البلدين ينخرطان في كثير من التجمعات الإقليمية والدولية كحوار التعاون الآسيوي الذي استضافته المنامة في 25 نوفمبر 2013 بمشاركة بروناي، وكذلك الحوار الخليجي مع دول الآسيان، وهي التجمعات التي يمكن أن تدخل بالعلاقات الخليجية الآسيوية إلى أعتاب مرحلة جديدة يتوقع أن تطلق إشارتها الزيارة السامية لسلطنة بروناي.

وإذا ما أُضيف إلى كل ذلك تجربة البلدين الرائدة في التنمية، رغم قصر عمرها النسبي، وتطورهما المتسارع في مسارات الإصلاح والتقدم، فإنه ينتظر أن تفتح الزيارة الملكية الباب إلى مزيد من التقارب، وذلك للاستفادة من فرص التعاون المتاحة، خاصة في مجال دعم وتعزيز التنمية البشرية لمواطنيهما من تعليم وصحة وإسكان وغيرها، سيما أن البلدين يحتلان مراتب متقدمة على مستوى العالم في مؤشر التنمية البشرية الصادر عن الأمم المتحدة.