أكد حقوقيون ومحامون أن الأصوات التي مازالت تعارض إصدار قانون موحد للأسرة إنما "مازالت تستعيد محاولات التغريد خارج سرب العدالة المنشودة والاستقرار والتطور"، مبينين أن عجلة إصدار قانون أسرة موحد انطلقت ولا عودة للوراء.

وأكد الحقوقيون والمحامون لـ "بنا" ضرورة عدم الالتفات إلى ذريعة "الضمانات" التي يتشبث بها معارضو القانون، مشددين على أن الممارسة العملية للقانون في شقه الأول أعطت الوقت الأكثر من كافي لرفع وتعميق التوافق المجتمعي بضرورته، إضافة إلى إن تشكيل لجنة تضم نخبة رجال الدين من الطائفتين الكريمتين بأمر ملكي هو بحد ذاته الضمانة التي تأطر مضمون القانون وتحفظ بنوده بما يتطابق مع مبادئ وأحكام الشريعة الإسلامية السمحاء.

ولفتوا إلى أن قانون الأسرة الموحد يحقق العدالة والإنصاف بتساوي المركز القانوني لجميع المواطنين، كما يعزز من التزام البحرين بالاتفاقيات الدولية ذات الصلة بالمرأة والأسرة، إضافة إلى أنه ينهي معاناة النساء من متبعي المذهب الجعفري واللواتي تمتد فترة الفصل في قضاياهن إلى سنوات، كما سيسهم القانون في تسهيل العمل على القضاة والمحامين بسبب وضوح الإجراءات وضمان الالتزام بها.


ضمانات أكثر من كافية

وقال الناشط الحقوقي والمحامي فريد غازي: "كان هناك ومازال من يتحدث عن ضمانات للطائفة الجعفرية الكريمة بعدم تغيير قانون الأسرة الموحد مستقبلاً بدون مشاركة المختصين، وتوافق هذا القانون مع المرجعية لاطمئنان العامة إلى المحاكم الشرعية".

وأضاف "رغم جميع المطالب عبر سنوات بإصدار الشق الثاني من قانون الأسرة، ورغم ما لهذا القانون من أهمية على الصعيد الداخلي والخارجي لمملكة البحرين، إلا أن جلالة الملك المفدى لم يصدر هذا القانون بأمر ملكي –رغم الأحقية الدستورية لجلالته بذلك-، بل فضل جلالته أن يأخذ هذا القانون مجرياته الدستورية، وأن يكون هناك أكبر توافق شعبي ممكن حوله".

وأشار رفيع في هذا الصدد إلى أن إصدار جلالة الملك المفدى أمره الملكي السامي بتشكيل لجنة شرعية لمراجعة مشروع قانون الأسرة تضم نخبة من علماء الدين الأفاضل من الطائفتين إنما دليل على رغبة سامية على احتواء جميع الآراء الفقهية والشرعية ومراعاة جميع تفاصيل الفروق المذهبية في مجال قضايا الأسرة، وصولاً إلى صدور قانون أسرة جامع مانع يلبي احتياجات الأسرة والمرأة في مملكة البحرين، ويعزز من الحقوق الشخصية للأفراد، والتأكد تماماً من مطابقة بنود القانون المرتقب لأحكام الشريعة الإسلامية.

وأكد أن الحديث عن أية ضمانات إضافية ما هو إلا محاولة التفاف على صدور هذا القانون ورغبة بتعطيله، وقال "من المتوقع أن يحاول البعض وضع العراقيل أمام صدور قانون الاسرة الموحدة متمسكا بحجج واهية ومحاولا التأثير على عقول الناس من أجل خدمة مصالح خاصة"، وأضاف أن مثل هذا التصرفات تنم عن أفق ضيق لا يدرك عدم جدوى الوقوف أمام الحركة الطبيعية للزمن والتطور".

وقال "لا يمكن أن نقبل بأي حال من الأحوال تأجيل صدور القانون أكثر من ذلك، فقد تأخرنا لأكثر من ثمانية سنوات رغم إدراكنا جميعا لمدى الفوائد الجمة التي حصلنا عليها نتيجة لصدور الشق السني من قانون الأسرة".

وأكد أن الضمانات الموجودة في المشروع بقانون الخاص بقانون الأسرة الموحد "أكثر من كافية"، خاصة وأن الإرادة الملكية أخذت كل ما يلزم لضمان وطمأنة المتخوفين من هذا القانون، وأضاف أن مملكة البحرين لا تتعامل مع مواطنيها كطوائف، وإنما كمواطنين بحرينيين سواسية أمام القانون كأسنان المشط".

قانون طال انتظاره

فيما أكد رئيس مجموعة "حقوقيون مستقلون" سلمان ناصر "أهمية صدور هذا القانون الذي طال انتظاره بالسرعة القصوى، وقطع الطريق على محاولات عرقلة إصداره عن طريق تكرار ذرائع واهية نسمعها منذ سنوات وسنوات ولم تسفر إلا عن مزيد من الحالات الإنسانية الصعبة لنساء من المذهب الجعفري بائسات نراهنَّ كل يوم على أبواب المحاكم يترجين ويرتجين الخلاص من جحيم حياتهن الزوجية دون اكتراث فعلي لصرخاتهن".

وشدد على أنه يجب الوقوف بقوة أمام محاولات التشكيك في أهلية المختصين من أعضاء مجلس الشورى الذين صاغوا نصوص قانون الأسرة الموحد، وكذلك القنوات الدستورية التي يمر بها هذا القانون تمهيدا لصدوره المرتقب، والذي يشكل خطوة واسعة على طريق تعزيز استقرار وترابط المجتمع البحريني ككل.

وأشاد بحملة التضامن والدعم الواسعة التي لقيها الإعلان عن قرب صدور قانون أسرة موحد في البحرين، مضيفاً أن هذه الحملة يجب أن تتواصل بل وتتصاعد، درءاً لأصوات المعترضين التي ما باتت تتردد وتعلو منذ سنوات في كل مرة يجري الحديث فيها عن ضرورة إصدار الشق الجعفري لقانون الأسرة، والتي وصلت في بعض الأحيان إلى تحريض وتحشيد الناس-بما في ذلك النساء- للخروج إلى الشارع رفضا لهذا القانون، رغم كل الفوائد التي يحملها في طياته لضمان عدالة التطبيق عند احتكام أفراد الأسرة البحرينية.

وأشار إلى أن صدور قانون الأسرة الموحد يعزز من مكانة البحرين كدولة القانون والمؤسسات، ويشكل استجابة ملحة للمطالب الدولية ذات الصلة، ومن ذلك التزام مملكة البحرين بتعهداتها التي وقعت عليها ضمن اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (السيداو)، كما يجسد الملف الحقوقي البارز لمملكة البحرين دولياً.

ضرورة ملحة

القائم بأعمال مركز المنامة لحقوق الإنسان المحامية دينا اللظي، قالت إن المركز وانطلاقاً من الأهداف التي توافق عليها الأعضاء المؤسسين للنظام الأساسي لعمل المركز منذ تأسيسه في عام 2011، وعلى الأخص الهدف التاسع الذي يوجه المركز وأعضاءه بصيغة ملزمة للتنسيق مع الجهات التشريعية والحكومية المختصة للدفع باتجاه تذليل الصعوبات التي تواجه تطبيق القوانين المتعلقة بحقوق الإنسان و إصدار قوانين وتشريعات جديدة تحفظ وتحترم حقوق الإنسان وإعادة النظر في بعضها، يتابع باهتمام كبير الخطوات المهمة التي يتم اتخاذها من قبل السلطات المختصة لاستكمال الفراغ التشريعي على صعيد الأحكام الأسرية.

وبينت بأن خطوة تنظيم المسائل المنظورة أمام المحاكم الشرعية بات ضرورة ملحة لتعزيز خطى سير العجلة الصلاحية بمفهومها الشمولي ولاستكمال الصورة العامة للواقع الحقوقي وخاصة فيما يتعلق بالأسرة والمرأة والطفل.

وأشارت اللظي إلى أن المركز فور الإعلان عن مشروع القانون الموحد شكل فريقاً قانونياً قام بدراسة المشروع بشكل مستفيض من الجانب الحقوقي والقانوني، وخرج بمرئيات وتقسيم لكافة بنوده، ضمّنها بملاحظات عامة، كما قام المركز بالاستعانة بمتخصصين في العلوم الشرعية السنية والجعفرية والذين توصلوا لما توصل إليه الفريق الحقوقي والقانوني، بكون هذا القانون سيعزز الحقوق الأسرية وفق مفاهيم وقيم الشريعة الإسلامية في المقام الأول، وبما يتوافق مع المبادئ الحقوقية الواردة في الدستور والتشريعات الوطنية والمواثيق الدولية وعلى الأخص الشرعية الدولية لحقوق الإنسان واتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل، واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة "السيداو".

وبينت اللظي بأن مبادرة مجلس الشورى بوضع مقترح القانون الموحد، وأمر جلالة الملك بتشكيل لجنة فحص ودراسة للقانون، يراه مركز المنامة بأنه خطوة ثابته ومستقرة نحو إصدار قانون لا يتعارض مع أحكام الشريعة ويعزز من جانب آخر الواقع الحقوقي وفقاً لأعلى المعايير الحقوقية بما سيتوافق مع الواقع الإسلامي والاجتماعي لمملكة البحرين.

تدفع 10 آلاف دينار لتحصل على الطلاق!

في حين قالت المحامية فوزية جناحي إن المتقاضين أمام المحاكم الجعفرية، والمحامين، وصولا إلى معظم العاملين في القضاء، ضاقوا ذرعاً بالوضع الراهن نتيجة عدم قانون واضح ينظم القضايا الأسرية في المحاكم الجعفرية، ويحصر الأمور كلها بيد قاضي المحكمة الجعفرية.

وأضافت "أسمع عن تسريع الإجراءات والنهوض بأداء المحاكم الجعفرية، لكني صراحة لا ألمس ذلك على أرض الواقع، وموكلاتي من الطائفة الجعفرية لا زلن يعانين من طول أمد التقاضي".

وتابعت جناحي "حصول المرأة الجعفرية على حقها بالطلاق شبه مستحيل إلا إذا وافق زوجها على تطليقها، لذلك تلجأ إلى الخلع، وفي معظم حالات الخلع تضطر للتنازل عن جميع حقوقها حتى حقها في حضانة أطفالها، كما تدفع لزوجها مبالغ مالية تصل أحياناً لعشرة آلاف دينار حتى يقبل بتطليقها".

وكشفت جناحي أنه "لهذه الصعوبات بتنا نرى تزايد الطلب على إبرام عقود الزواج أمام المحاكم السنية، لكن هذا مسموح فقط في حال كان أحد الزوجين من الطائفة السنية، أما إذا كان كليهما من الطائفة الشيعية فهما ملزمان بالزواج أمام المحكمة الجعفرية".

وقالت "بعد سنوات من النقاش المستفيض حول أهمية صدور القسم الثاني من قانون أحكام الأسرة، وبعدما شهدنا مدى نجاح الشق السني من قانون الأسرة وإنصافه في المقام الأول لمصلحة المرأة والأبناء ومساهمته في تحقيق استقرار الأسرة البحرينية، بتنا نلمس وعياً متصاعداً لدى عموم الشارع البحريني بأهمية صدور قانون أسرة موحد يعكس وحدة المجتمع البحريني وتنوعه في آن واحد، ونحن متأكدون من أن مزيداً من العقلاء سيدعمون بل ويدفعون ويطالبون بسرعة إصدار هذا القانون الرامي لحفظ حقوق ليس المرأة البحرينية فقط، بل والرجل أيضاً، لأن حفظ حقوق الأسرة البحرينية واستقرارها هي مصلحة عامة يشترك فيها الجميع".

صعوبات آن لها أن تنتهي

وفي الاتجاه ذاته ذهبت المحامية سهى الخزرجي مشيرة إلى أن إحدى أبرز المعوقات والمشاكل التي تواجه القضاء الجعفري، هي غياب مرجعية واحدة للأحكام الشرعية، مما يؤدي إلى صدور أحكام متناقضة في قضايا متشابهة، حيث إنه يتعذر في كثير من الأحيان تحديد مصير الدعوى سواء كان بالقبول أو الرفض لاختلاف توجهات القضاة ومدارسهم الفقهية، ويخضع الأمر في كثير من الأحيان للرؤية الشخصية للقاضي الذي يفصل في الدعوى.

وأوضحت أن الحكم في المحاكم الجعفرية الكبرى يجب أن يصدر بحسب القانون بالتداول بين قضاة المحكمة الثلاثة، إلا أن ما يطبق في الواقع بخلاف ذلك، حيث يقتسم القضاة الدعاوى بينهم ويفصل كل قاضي في مجموعة منها، وهو ما يؤدي لصدور أحكام متناقصة من ذات المحكمة.

ورأت أن صدور قانون موحد للأسرة سيسهل الفصل في الدعاوى أمام المحاكم الشرعية ويختصر فترات التقاضي، كما أن المحامي سيكون على بينة منذ البداية بمدى جدوى رفع الدعوى من عدمه، وأوضحت أن المحاكم الجعفرية تمد في آجال الإجراءات للأزواج لتقديم دفوعاتهم، ولا تتقيد بالقانون الذي ينص على حجز الدعوى للحكم في حال تخلف أحد الطرفين عن الحضور أو تقديم الرد لجلستين متتاليتين دون سبب وجيه.

وأشارت إلى مشكلة أخرى تدور حول أن المحاكم الجعفرية عادة ما تشترط اقتران الهجر بعدم الإنفاق لإيقاع الطلاق، وهذا يوقع المرأة في ظلم كبير، حيث أنه ليس من المنطق أن تقرن المرأة حياتها بزوج هجرها لأنه فقط ينفق عليها بضعة عشرات من الدنانير شهرياً.

الحفاظ على كيان الأسرة

المحامية إبتسام الصباغ، أكدت أهمية إصدار قانون الأسرة الموحد الذي يحفظ للأسرة البحرينية كيانها وكينونتها، لكنها دعت في الوقت ذاته إلى إعطاء هذا القانون حقه الوافي من الدراسة والتمحيص بغية الخروج به كاملاً متكاملاً تلبي مواده احتياجات جميع الأطراف ذات المصلحة كالأسرة والمرأة الجعفرية والمحامين والقضاة.

وقالت "كنا ومازلنا نترقب صدور قانون أحكام الأسرة في شقه الجعفري، مشيدة بتشكيل جلالة الملك المفدى لجنة شرعية لدراسة هذا القانون ومراجعة أحكامه، خاصة وأن اللجنة تضم نخبة من أصحاب الفضيلة أعضاء المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية وعدداً من القضاة، وهو ما يضمن تطابق مواد القانون لأحكام الشريعة الإسلامية السمحاء، ومراعاتها للفروقات المذهبية المتعلقة بالطلاق والخلع والنفقة والحضانة وغير ذلك.

وجددت التأكيد على أن تشكيل هذه اللجنة يعد بحد ذاته من أهم الضمانات التي تعمل على المحافظة على كيان الأسرة من خلال التأكد من تطابق جميع بنود وأحكام القانون مع الشريعة الإسلامية، مشيرة إلى أن غياب قانون الأسرة الموحد يساهم في معاناة الأسرة وخاصة في ظل غياب تنظيم تشريعي للشق الجعفري مقارنة مع تطبيق أحكام الأسرة في الشق السني الذي أسهم في حل الكثير من المشكلات.