تاريخ كرة القدم مليء بقصص اللاعبين الذين قضوا طفولتهم في أحياء متواضعة وفقيرة للغاية وكانت كرة القدم طريقهم لحياة أفضل. فمن أليكسيس سانشيز والذي كانت والدته عاملة تنظيف، إلى لوكا مودريتش الذي قضى طفولته في كرواتيا أثناء الحرب الأهلية وصولاً لزلاتان ابراهيموفيش والذي كان مجرد فتى فقير لأبوين مهاجرين في السويد قبل أن يتحول إلى «ايبرا». لكن قصص التحول من البدايات المتواضعة إلى المجد ليست حكراً على اللاعبين فقط. فهناك أندية كبرى بدأت مسيرتها في أماكن متواضعة. ولعل أشهر مثال على ذلك هو المكان الذي بدأت فيه ثورة «بيل شانكلي» في ليفربول.

خلال أوائل الستينات من القرن الماضي احتاج بيل شانكلي، المدرب الأسطوري لليفربول، إلى مكان ليجتمع فيه هو ومساعدوه الأربعة (بوب بيزلي، جو فاغان، روبين بينيت وتوم ساندرز) ليخططوا لمستقبل النادي ويناقشوا كل ماله علاقة باللاعبين والنهج التكتيكي للفريق. اختيار شانكلي وقع على غرفة صغيرة بالقرب من غرفة تغيير الملابس في الأنفيلد كانت تستخدم لتخزين أحذية لاعبي الفريق؛ ولذلك تم تسميتها بغرفة الاحذية أو The Boot Room. وفي حين يتخيل معظمكم مكتب أحد مدربي البريميرليغ حالياً المليء بالشاشات والمكاتب، فإن غرفة الأحذية كانت أبعد ما يمكن عن ذلك. جو فاغان كتب التالي في مذكراته: «أحياناً كانت الغرفة تمتلئ بالرفاهيات كطاولة قديمة، مقعدين بلاستيكيين وسجادة قديمة... لم يكن هناك أي دليل أن هذه الغرفة هي جزء من نادي لكرة القدم». ومن داخل هذه الغرفة المتواضعة المليئة بالأحذية قام شانكلي ومساعدوه بتغيير أحوال ليفربول، من نادي في الدرجة الثانية، إلى أحسن فرق انجلترا والقارة في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي!

مساعدو شانكلي الأربعة كان لهم دور يوازي دور شانكلي؛ حيث كان كل منهم يتولى مسؤولية كبرى داخل الفريق يوكلها لهم شانكلي. بوب بيزلي، اللاعب السابق في ليفربول، ربما يكون أشهر أعضاء غرفة الأحذية لكنه كان آخر من انضم إليهم. حيث تولى بيزلي مهمة التأهيل الفيزيائي للاعبي ليفربول بعد اعتزاله اللعب، قبل أن يقوم شانكلي بترقيته لمنصب مدرب الفريق الأول ويسلمه مسؤولية استكشاف اللاعبين الجيدين لجلبهم للفريق. بيزلي انتقل لاحقاً لمنصب المدير الفني للفريق حاله كحال جو فاغان والذي كان مدرباً للفريق الرديف لليفربول. شانكلي كان يرى في الفريق لليفربول عنصراً أساسياً في نجاح الفريق الأول. حيث أنتج الفريق الرديف تحت قيادة فاغان العديد من النجوم لليفربول في تلك الحقبة. أما بينيت فقد كان مسؤولاً عن تدريب اللاعبين وايصالهم الى اللياقة المطلوبة وكان يشكل صلة الوصل بين شانكلي واللاعبين نظراً لكونه المفضل لدى شانكلي (حيث كانت تجمع الرجلين علاقة صداقة قبل عملهما سوية). أما ساندرز، والذي كان الوحيد بين المساعدين الأربعة الذي يملك شهادة في التدريب، فكان مسؤولاً عن تطوير اللاعبين الشبان..



لكن أهم ما تم تطويره في غرفة الأحذية كان «مذكرات» المدربين. حيث كان أعضاء الفريق التدريبي للفريق يحتفظون بسجل مفصل عن كل حصة تدريبية، مباراة، لاعب أو خصم. هذه المذكرات كانت تحوي على شرح مفصل لطرق تدريب اللاعبين وأثرها على مستوى اللاعبين، مما سمح للمدربين الثلاثة الذين تخرجوا من هذه الغرفة (شانكلي، بيزلي وفاغان)، والذين قادوا الفريق لـ26 سنة متتالية فاز خلالها الفريق بكل شيء في انجلترا وأوروبا، بتطوير أساليبهم بشكل دقيق في وقت كان فيه المدربون الإنجليز يعتمدون على الجانب النفسي أكثر من الجانب التكتيكي. كل هذا لم يكن مجرد أفكار جميلة في غرفة متواضعة، بل ترجم إلى 10 ألقاب في الدوري، 7 بطولات أوروبية، و6 بطولات محلية بين عامي 1959 و1985.

أثر غرفة الأحذية لم يتوقف مع تقاعد جو فاغان عام 1985، حيث كان المدربون الثلاثة الذين تلوه (كيني دالغليش، غراهام سونيس، وروي ايفنز) من لاعبي الجيل الذهبي لليفربول وكان لأعضاء غرفة الأحذية الأصليين دور في تطوير مهاراتهم التدريبية. لذلك يعتبر الكثيرون بأن دالغليش، سونيس وايفنز هم الجيل لغرفة الأحذية؛ بالرغم من أن الغرفة الأصلية تم هدمها عام 1993 لفسح المجال لغرفة للمؤتمرات الصحفية. هذه الاستمرارية جعلت الصحفيين الإنجليز يطلقون تسمية The Liverpool Way على الأندية التي تقوم بترفيع المدربين من داخل النادي إلى منصب المدير الفني بدلاً من جلب مدير فني جديد.

في المرة التالية التي تجد نفسك في مكان متواضع، تذكر أنه بإمكانك بدء شيء رائع من هذا المكان، ربما لن تقوم بخلق أحد أنجح الفرق في تاريخ كرة القدم الأوروبية، لكننا لسنا جميعاً بيل شانكلي!!!