لطالما كانت الدراسات الاستراتيجية والسياسية هاجسي الأكبر الذي أرى أنه السبيل الأكثر ضماناً لخروج الخليج العربي من أزماته وما يعتري محيطه الإقليمي من مهددات أمنية، وقد نزفت في سبيل ذلك سيلاً من محابري على ورق الصحيفة حيناً، وعلى وسائل التواصل الاجتماعي أحياناً أخرى، وفي بعض الدراسات العلمية التي نشرتها مؤخراً أو أوراق العمل التي أقدمها في بعض المؤتمرات، وكان من بين الأمور المهمة التي وقفت عليها في نوفمبر 2013 بسلسلة مقالات حول أهمية البحث العلمي ومراكز الدراسات الاستراتيجية، الإشارة إلى الدور الذي لعبته الدراسات الاستراتيجية في صناعة القرار السياسي بـ«إسرائيل» وأمريكا والاتحاد الأوروبي، ووقفت على التجربة الإسرائيلية كونها تجاوزت كافة المقاييس العالمية، ولنا في أعدائنا -كما أردد دائماً- أسوة حسنة، فـ«إسرائيل» وحدها تنتج شهرياً أكثر من أربعين بحثاً معترفاً به دولياً، فضلاً عن البعثات والمنح الدراسية التي تقدمها «إسرائيل» بمستويات لا تقارن طبعاً مع الوطن العربي وخليجه..!!

وكان مما يسوء كثيراً من مراكز الأبحاث والنخب الأكاديمية والمفكرين في الخليج العربي، أن صناعة القرار السياسي مجال لا يمكنهم الإسهام فيه ولو بالمشورة، وأذكر في لقائي مع الدكتور فهد العرابي الحارثي -رئيس مركز أسبار للدراسات والبحوث والإعلام- كان قد برر ذلك في حديثه «إن البحث الاستراتيجي والسياسي ومراكز الأبحاث ودراسة السياسات في المنطقة إنما هي وسيلة طارئة لم يعتد صانع القرار السياسي اللجوء لها في وقت سابق، وإن البحث وإن كان على أرضية صلبة يمكن الاستناد عليها من قبل صنّاع القرار إلا أنها مازالت تواجه صعوبة كبيرة في تسويق نفسها». ولكن تحولاً لافتاً بتنا نشهده في انتقاء صانع القرار السياسي لكبار المسؤولين في الدولة والمستشارين، لا سيما أولئك الذين ترفع أسماؤهم ليكونوا أعضاءً بالهيئة الاستشارية للمجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، حيث إن تلك الهيئة «من الروافد المؤسسية للقادة، وتقوم بدراسة المواضيع المكلفة بها من قبل القادة وإبداء توصياتهم في صورة مرئيات يتم رفعها إلى القادة ليتم اعتمادها وإحالتها إلى اللجان المختلفة لتنفيذها ثم المتابعة لسير عملية التنفيذ»، ونجد أعضاء هذه الهيئة من النخب الفكرية والسياسية المهمة بالمنطقة، ومن أصحاب مراكز الأبحاث ودراسة السياسات أو المسؤولين عن قطاعات مهمة في المجال التعليمي والأكاديمي، وهو ما يشي أن صانع القرار السياسي بات يؤمن مؤخراً بأهمية البحوث والدراسات الاستراتيجية ومخرجاتها وشخوصها القائمين عليها. لا سيما أن مواقع هؤلاء المستشارين وخبراتهم وإمكانياتهم المؤسسية من مراكز بحثية أو مؤسسات تعليمية جامعية وغيرها، تتيح لهم مزيداً من الفرص لتقديم الأفضل وللإلمام بحيثيات الموضوعات محل الاستشارة لما لهؤلاء من ثقل فكري وعلمي وأكاديمي.

* اختلاج النبض:

الهيئة الاستشارية الخليجية من النماذج الوحدوية الشاخصة في مجال صناعة القرار السياسي وكواليسه، وبقدر ما يعنى القادة بنوعية الأعضاء والنشاطات والمخرجات التي تتمخض عنها تلك الهيئة، بقدر ما ستكون دول الخليج العربية حققت دعامات أمنها وديمومة نمائها.