من أهم مقومات التعليم الناجح هو أن يكون التعليم منتِجاً وليس منتَجاً، فحين تتحول قيم التعليم وأدواته إلى تجارة رابحة فعلى التعليم السلام، وحين يتجه المعلمون والمربون إلى جهة الربح والخسارة فقط فإن الضحية الحقيقية للتعليم هو المجتمع وستكون «خسارة المستقبل» هي النتيجة، مستقبل الطالب والتعليم والتربية والمؤسسات التعليمية والدولة كذلك.

المؤسسات التعليمية الحديثة، سواء كانت مدارس أو جامعات بدأت تشق طريقها بقوة نحو تثبيت أركان البحث العلمي، وحث الطلبة على إنتاج المعرفة من خلال البحث وليس عبر التلقين الساذج أو استعارة بعض الأنشطة التعليمية التجارية للحصول على شهادات تافهة أو مؤهلات مُزوَّرة، وهذا الذي يحدث عندنا في البحرين مع الأسف الشديد.

سارت العملية البحثية المزعومة ولعشرات الأعوام في هذا الطريق، وهو أن تلزم المؤسسات التعليمية العامة والخاصة كافة الطلبة بإعداد بحوث وأنشطة تعليمية مدرسية حتى ولو كانت عن طريق مكتبات تجارية تقوم بالنيابة عن الطلبة بإعداد تلكم البحوث، والمحصلة، أن الطالب يحصل على علامة كاملة لكنه لم يستفد أي شيء من التعليم، وهذا أخطر ما في هذا الأمر، أنك تحصل على شهادة ولكنك لن تحصل على متعلم!

أخبرتني إحدى الخريجات البحرينيات حديثاً من إحدى أشهر الجامعات الألمانية والحاصلة من خلالها على شهادة الدكتوراه الخاصة بها في معرض بحثها عن وظيفة تليق بشهادتها عبر الإنترنت في البحرين، فكانت الصدمة حين استفسرت عن طبيعة عملها بإحدى المؤسسات البحثية فكانت الوظيفة كالتالي: أن تقوم هذه الدكتورة المحترمة بإعداد رسالة دكتوراه من «الألف إلى الياء» لبعض الطلبة الذين يرغبون الحصول على شهادة الدكتوراه مقابل حصولها على مبلغٍ زهيدٍ من المال. بمعنى، أنها تقوم بالبحث المضني عن موضوع البحث «الفلاني» ومن ثم كتابة الرسالة بالكامل «من الغلاف إلى الغلاف»، وتسليمها للمؤسسة البحثية التجارية وهي بدورها تقوم بتسليمها للطالب مقابل صفقة مالية ضخمة ومن ثم يقوم الطالب بتقديمها على طبق من ذهبٍ كجهد بحثي للجامعة المعنية ليحصل على شهادة دكتوراه. هكذا تُصنع «بعض» شهادات الدكتوراه عبر مؤسسات خارج نطاق الرقابة في البحرين، وهذا السلوك لم نعهده من قبل في وطن عرف بمصداقية الشهادات العليا فيه، ولهذا يجب أن تتوقف هذه المهزلة فوراً. الدكتورة البحرينية رفضت عرض العمل في هذه المؤسسة التجارية وقالت لهم بالفم «المليان»، إنها لا يمكن أن ترتكب حماقة مثل هذه الحماقات، إضافة إلى أنها رفضت ذلك من باب الأمانة العلمية والضمير الأخلاقي حتى لو كان مبلغ إعداد البحث مليون دينار بحريني، كما أن هذه الدكتورة «الشَّهمة» قالت لي إنها لا يمكن أن تخون أمانة العلم حتى لا تكون إحدى الأدوات الزائفة لهذه المؤسسة. في الختام من حقنا أن نتساءل، أين دور وزارة التربية والتعليم في مراقبة هذه المؤسسات التي تدعي بأنها مؤسسات علمية وبحثية؟ وأين دور الرقابة الرسمية على مثل هذه المخالفات الفاضحة والخطيرة التي تمس سيادة التعليم في البحرين والساعية إلى ضربه في مقتل بتخريج دفعات من الخريجين الأكاديميين المزيفين وخطورة ذلك على الدولة وعلى سوق العمل بشكل عام؟ نحن نطالب بتحقيق فوري في هذه المسألة وإنهاء هذه المهزلة التي تجري داخل أروقة بعض «المؤسسات الربحية» لجني المال الوفير حتى ولو كان على حساب أهم مقومات الدولة ألا وهو التعليم الناجح.