لا يولد أي شخص وهو «سيء»، ولا يولد أي شخص وهو «فاسد»!

الله سبحانه وتعالى يخلق الناس ويصورهم في أرحام أمهاتهم ويزرع فيهم بذور الطيبة والإنسانية، هم يولدون على سجية من خير، ويولدون على السليقة.

بالتالي المولى عز وجل حينما يكتب أن يفقد إنساناً فلذة كبد في سنواته الأولى يرفع له هذه الروح الصغيرة، ويحولهم إلى «طيور» في الجنة، فلا آثام سجلت عليهم ولا سيئات ارتكبوها.

ما أريد قوله، بأنك أنت يا إنسان تشكل من تكون، أنت صاحب القرار في أن تظل كما خلقك الله، شخصاً صالحاً لا تصدر عنك السيئات ولا شنيع الأعمال وسيئها، وأنت أيضاً صاحب القرار في أن تكون عكس ذلك.

لم يخلق الله فرعون طاغياً، ولا نمروداً متجبراً، ولا أي بشري على هيئته الظالمة وصفاته الآثمة، بل كل ذلك هو صنيعة الإنسان نفسه، هو يحدد كيف تكون شخصيته، وهو يختار دربه.

بناء على ذلك، وهي أساس كل بشري، نتساءل أحياناً بشأن «انحراف البشر»، وكيف يتحول الشخص لنموذج بشري سيء، فيه من قبيح الصفات ما يجعل الناس تشمئز منه، وتشير له بالفاسد؟!

لا أحد يخلق «فاسداً»، بالتالي هناك أسباب تجعله يسلك هذا الخط، وكلها أسباب وعوامل خارجية، بعضها يأتيه «قسراً»، وبعضها يكون أمامه كـ «خيار»، بالتالي هو من يختار أن يكون فاسداً.

هناك أشخاص ينخرطون في الأعمال، لكن العوامل التي يواجهونها هي من تحولهم لنماذج سيئة، إدارياً ومن ثم مالياً.

كما أقول دائماً، بأنه حينما تضيع القيم، وتكون المبادئ عرضة للبيع، وتكون «تحصينات» الشخص أمام المغريات ضعيفة، هنا تكون الكارثة.

المناصب مغرية، بما تأتي به من مزايا ومكتسبات، والأخطر بما تأتي به من «برستيج» وتهافت للحاشية، وحده «الكرسي» له تأثيراته، فما بالك لو اقترن ذلك بشخوص تحيط بك «تصور» لك أنك «سيد زمانك»، وأنه «لا سلطة» فوقك، وأنك «الآمر الناهي»؟!

هناك من الأشخاص من يأتيك نظيفاً كلون اللبن الأبيض الناصع، لكن تحصيناته ضعيفة، مبادئه لم يتعود أن يتمسك بها ويقاتل من أجلها، بالتالي حينما تلوح له فرصة في الأفق لـ «استغلال» المنصب وقوته، والأدهى حينما يحيط به مجموعة من «محترفي» الفساد، ويدركون بأنه -أي الشخص- حالة «قابلة للإفساد»، هنا تكون المصيبة، ويبدأ الشخص بالتحول لمشروع شخص سيء، يستغل موقعه، ويمارس أبشع أنواع الظلم الإداري، ويحول القطاع العام إلى ملكية خاصة.

من يكون نموذجاً «قابلاً للإفساد» يتحول بعد فترة لشخص يتواجد في موقع «قابل للاشتعال»، إذ تراكم الأخطاء لا يقود إلا لمصائب، وتراكم حالات الظلم وقهر الموظفين والتسلط عليهم لا ينتج عنه إلا الانفجار، وطغيان «النزعة الشخصية» في تحقيق المكاسب وحصد الغنائم من خلال الموقع ينتهي في نهاية المطاف إلى «تردي» وضع القطاع وتحوله لـ «مخزن» فشل يعج بالإخفاقات، وهنا يرتد الوضع في النهاية على الدولة، ومن بعدها يولد تداعيات بالضرورة يتأثر بها المواطن.

مشكلة البعض أنه يظن بما يقوم به من استغلال للمنصب، وممارسة الفساد الإداري، وظلم البشر، أن هذه الممارسات لا يتضرر منها أحد، ولا يجب أن تزعج الدولة، وأنه يمارس حقاً مشروعاً، لكن الأمر خلاف ذلك تماماً، فكل ما يقوم به يطعن كل المبادئ السامية التي تعمل من أجلها الدولة، خاصة إن كانت تملك مشروعا طموحا قائماً على تطوير الممارسات ومحاربة الأخطاء وتحقيق العدالة.

وعليه، الفساد له «عرابوه»، له «شلليته»، وكم من شخص كان نظيفاً صالحاً، فقط لأنه لم يتمسك بمبادئ الصلاح واستهان بأمور صغيرة، وفتح أبوابه للمتمصلحين وجوقة النفاق، تحول لأكبر المفسدين إدارياً ومالياً.

المبادئ، والقيم والثوابت، والإيمان بالواجب تجاه الدولة والدين، كلها أمور حينما تتمسك بها، لا تكون حالة «قابلة للإفساد» تقود في النهاية أي قطاع ليكون «قابلاً للاشتعال».