وقعت كل من روسيا وإيران وتركيا الخميس الماضي على اتفاقية أستانة التي تنص على إيجاد مناطق تخفيف التوتر أو « تبريد القتال» كما قيل في سوريا، بينما انسحب وفد المعارضة السورية المسلحة من المحادثات إلى فترة قصيرة، في حين قال وزير خارجية كازخستان خيرت عبدالرحمنوف إن استمرار الصراع في سوريا لن يكون مجدياً، بل سيؤدي إلى مزيد من العنف والاقتتال بين الأطراف المتصارعة، واعتبر أن اتفاق أستانة ما هو إلا جزء من مفاوضات جنيف.

وفي هذا السياق اعتبر كثير من المحللين السياسيين أن مجرد جلوس الوفدين على طاولة المفاوضات يعتبر نجاحاً لمؤتمر أستانة، وهو ما يشير إلى كثير من الدلالات المستقبلية في الملف السوري، بعد تخلي الطرفين عن استخدام السلاح، والعمل على التفاوض من أجل الوصول إلى حلول سلمية بالطرق الدبلوماسية.

من هنا نرى ظهور الأطراف الضامنة بتقاسم الأدوار في سوريا فتمثل تركيا دور الضامن للمعارضة السورية، وروسيا وإيران دور الضامن للنظام السوري، وقد تمثل هذه المفاوضات نقطة البداية لما يجري في سوريا، وهو ما قد يشكل هوة شاسعة بين الفصائل المقاتلة في سوريا على الأرض، وخصوصاً بعد استثناء الجماعات «المتشددة» من المشاركة بالمؤتمر على اعتبار أنها جماعات إرهابية، وفي الوقت نفسه فإن أحد بنود البيان الختامي نص على أن جميع الفصائل المسلحة المشاركة في المؤتمر ينبغي أن تلتزم بالحرب على الإرهاب.

وقد يشكل مؤتمر أستانة بداية لتقسيم سوريا، بعد الاتفاق المبرم بين الأطراف المشاركة فيما يخص مناطق تخفيف التوتر، وترفض المعارضة اتفاق مناطق تخفيف التوتر، وهو ما اعتبر بأنه اتفاق بين روسيا وإيران وتركيا وليست المعارضة جزءاً منه، كما أعادت المعارضة السورية رفضها لأي اتفاق يهدف إلى تقسيم الأراضي السورية ولا يضمن وحدتها، على اعتبار أن الفكرة الروسية ما هي إلا خطوة أولى ترسي قواعد التقسيم، فضلاً عن عدم رغبتها بالدور الإيراني والميليشيات التابعة لها كضامن للنظام السوري، مع تأكيدها على عدم الرغبة في الوجود الإيراني في سوريا كونها تعتبر إحدى الدول المعادية للشعب السوري، وكما جاء على لسان أسامة أبوزيد المتحدث باسم المعارضة بعد انتهاء الجلسة الختامية للمفاوضات في أستانة، والتي من خلالها برر مشاركة وفد المعارضة في تلك المحادثات من أجل وقف سفك دماء الشعب السوري.

فضلاً عن اتفاق المشاركين على أن تكون الجولة القادمة للمحادثات حول الملف السوري في منتصف يوليو المقبل.

أما بالنسبة للمناطق الأربع التي أشار إليها المؤتمر، حسب الفكرة الروسية، فهي مناطق تسيطر عليها المعارضة السورية، والهدف الأبرز من وجود تلك المناطق حسب المفهوم الروسي فهي تعد مناطق تخفيف التوتر.

السؤال الذي يطرح نفسه هنا، هل قبلت المعارضة السورية المشاركة في المؤتمر بسبب ضعفها؟ أم أن هناك أسباباً أخرى دفعت بالمعارضة إلى المشاركة؟ في حين لم يمر وقت طويل على الاتفاق الذي أبُرم بين الأطراف المشاركة، حتى بدأت ضربات النظام السوري مدعومة روسياً وإيرانياً في مختلف المناطق السورية بحجة وجود المجموعات المتطرفة في تلك المناطق.

من هنا بدأت المعارضة بالإيحاء إلى أن ذلك الاتفاق ما هو إلا بداية لتقسيم سوريا، والجدير بالذكر هنا هو استثناء المناطق التي يسيطر عليها تنظيم الدولة «داعش» والوحدات الكردية، والتي تعتبر منطقة نفوذ أمريكية، وشمال سوريا والذي يشكل منطقة نفوذ لتركيا، فضلاً عن دمشق والزبداني والقصير وهي مناطق نفوذ إيرانية، وتشكك الولايات المتحدة الأمريكية بإيران كطرف ضامن للاتفاق على اعتبار بأنها جلاد وحكم في نفس الوقت، كل هذه المؤشرات تبين أن هناك مخططاً يرسم بخصوص سوريا.

إن الغموض الذي يلف الاتفاق بين الأطراف المشاركة في المؤتمر وخصوصاً حول مناطق تخفيف التوتر، يثير مخاوف محلية وإقليمية من بداية تقسيم لسوريا، إذ لم يمر وقت طويل على ذلك الاتفاق حتى يبدأ النظام بفكرة تطبيق الاتفاق وتقسيم البلاد بفرض ضرائب جمركية على المواد والسلع الأساسية والتي تدخل أو تخرج من مناطق سيطرة المعارضة إلى المناطق التي تخضع للنظام، وخاصة درعا عبر معبر داعل وخربة غزالة.

بينما لم نجد أي ردة فعل أمريكية على هذا الاتفاق باستثناء مخاوفها من الوجود الإيراني كجزء ضامن بذلك الاتفاق.

رفعت روسيا مشروع القرار بشأن مناطق تخفيف التوتر إلى مجلس الأمن للتصويت عليه، ولا شك في أن روسيا تدرك تماماً أنه بدون مشاركة الولايات المتحدة الأمريكية في تلك المحادثات لن يكون هناك تطبيق فعلي للخطة الروسية، إن ما تريده الولايات المتحدة من ذلك الاتفاق هو وقف لإطلاق النار ولو بشكل مؤقت وإدخال المساعدات الإنسانية للشعب السوري، وفي حال شاركت الولايات المتحدة في تلك المحادثات، فقد تستخدم الملف السوري لمقايضة الروس بشأن الملف الأوكراني، من هنا لا بد من الإشارة إلى أنه لا يمكن النجاح لأي اتفاق في سوريا حتى ولو كانت الفكرة التي طرحت في أستانة هي فكرة أمريكية، إلا بشرعية الأمم المتحدة وإقامة مناطق آمنة وليست مناطق تخفيف للتوتر، أو حسب ما قيل «مناطق تبريد القتال» وتكون مؤقتة وليست دائمة من أجل عودة اللاجئين الذين تركوا بلادهم نتيجة العمليات العسكرية في سوريا.

* أستاذ العلوم السياسية – جامعة العلوم التطبيقية