كثيرون لا يعرفون من هو مخترع المكيف، ولا قصة اختراع المكيف، لكنهم يستمتعون بنتائج هذا الاختراع وأثره، ولا يتخيلون الحياة بدونه، خصوصاً في منطقة مثل منطقة الخليج العربي حيث ترتفع درجات الحرارة إلى مستويات قياسية قاسية يتعذر معها القدرة على التأقلم أو الاستمتاع بشيء.

وحين تشتد حرارة الجو أسمع البعض يتذكرون مخترع المكيف «المجهول» ويعبرون عن امتنانهم الشخصي والجمعي له. وذات نهار حارق قال أحد الزملاء، وكان قادماً من مشوار صيفي متعب وداخلاً للتو إلى المبنى المكيف: إنه سيخصص قدراً غير يسير من دعائه في رحلة العمرة القادمة لمخترع المكيف بأن يغفر الله له ويرحمه ويسكنه فسيح جناته. مستطرداً، أن أمثال هؤلاء هم الأحق بالجنة نظير ما خدموا البشرية وأعانوها على الحياة في ظروف يستحيل معها الحياة أصلاً.

ومخترع جهاز المكيف هو الأمريكي «ويليس هافيلاند كارير» المتوفى سنة 1950. بدأ اختراعاته في سن الخامسة والعشرين حين اخترع جهازاً لضبط الحرارة والرطوبة لصالح إحدى شركات الطباعة التي واجهت صعوبة في طباعة الألوان بشكل جيد بسبب ارتفاع درجات الحرارة والرطوبة في المطبعة. ومن ثم استمر كارير في تطوير اختراعات التبريد. وإذا تصفحت المواقع الإلكترونية فمن النادر أن تعثر على معلومات شخصية عن سيرة «ويليس كارير». فأغلب المواقع تنشر القصة المختصرة لاختراعه لجهاز المكيف ثم تسهب في شرح مجال تطور صناعة المكيفات ونتائج هذا الاختراع في تطوير الصناعات وازدهار المصانع، وفي تغيير مسارات هجرة الأيدي العاملة، وإعادة توزيع مراكز الصناعة في العالم. وستفصل في النتائج الصحية لاختراع المكيف وكيف ساهم في إطالة أعمار البشر.

لا أعرف لماذا لا تمتلك شخصية عظيمة الإنتاج مثل «ويليس كارير» شهرة واسعة كغيره من المخترعين.، ولكن يبدو أنه كان شخصاً عملياً منصرفاً إلى إنجازاته بعيداً عن كل ما يمكن أن يلفت الأضواء إليه ويثير فضول الصحافة سواء في حياته أو بعد مماته. ولكن الذي بقي من سيرته هو الإنجاز الذي خدم الإنسانية وساعد الجغرافيا في كل العالم على الحفاظ على مكوناتها البشرية دون تمييز أو تفرقة. وبذلك نستطيع القول إن الاختراعات النافعة إنجاز إنساني وصورة من صور الأعمال الخيرية القادرة على التقريب بين البشر واستفادة بعضهم من عمل بعض وثناء بعضهم على عطايا البعض الآخر.

فالمخترعون الخيرون، الذين يسخرون العلم من أجل حماية البشرية وصيانة الطبيعة المحيطة بها لضمان مستقبل أفضل للإنسانية، يشغلهم في غمرة انهماكهم في العمل المشكلات التي تواجه البشرية جمعاء، والحلول الكفيلة بحلها. ثم يتباحثون في كيفية توفيرها لجميع سكان الأرض بما لا يثقل على الاقتصاديات المتباينة.

الإنسانية وخدمة البشرية ليست خطباً رنانة ومواعظ فكرية وفعاليات ثقافية فحسب، فالعلم وإمكاناته الجبارة وإنجازاته الكثيرة حالة إنسانية تستحق نشر فلسفتها القائمة على وحدة الإنسانية ووجوب العمل من أجل كل البشر وخدمتهم.