لطالما حمل تعدد الهويات ألغازاً بالغة التعقيد، تفرض الإجابة عن سؤال «كيف تتشكل هوية جماعة ما؟» و»لماذا تحجم بعض المجتمعات عن الاستنارة بأفق الثقافات الأخرى؟». وحيث تلمع أمواج بحر أسود بإشعاع نجمة فضية، سبرت الأغوار بعين مدت بصرها نحو أفق الهوية في الخليج العربي، ثم ضيقت نظرتها على إطلالة الفرد منا كل يوم في مجتمعه بالوقوف على الملابس تحديداً، فبينما كان مصطلح «الإطلالة» الأكثر تداولاً في عالم الأزياء والموضة، أصبح ذا قيمة اليوم في كافة تفصيلات حياتنا، فما تلك «الإطلالة» وكيف أصبحت ترسم صوراً ذهنية لكل منا، وما الانعكاسات المترتبة على اختيار «إطلالتنا»؟

إطلالة المرأة الخليجية، عنيت بها كثير من المراجع على مر التاريخ، ووثقها كثيرون بالصور والوصف، بل إنها لاقت عناية من نوع آخر كفلت لها التجدد على يد مصممي أزياء محترفين، أو وفق تصميم ضمني عملت به النسوة منفردات ومستأنسات بآراء «الخياطات»، وعرفت المرأة الخليجية بعباءتها التي شهدت تحولاً جذرياً على مر ثلاثة أجيال فقط، فالعباءة التي ترتديها جدتي حفاظاً على أصالتها غير تلك التي ترتديها أمي بشكل «عملي»، خلافاً لعباءة بنات جيلي اللاتي أخذن في تطويرها على نحو متسارع بحثاً عن الإطلالة المتجددة، فمن عباءة الرأس السوداء التي تغطي كامل الجسد، إلى العباءة على الكتف على نحو أكثر عملية، إلى الخروج عن المألوف الأصيل بقماش ملون مطرز يكشف أكثر مما يخفي في بعض الأحيان، وبين تلك التحولات بون شاسع رغم الفترة الزمنية الوجيزة، وقد كشف هذا بوضوح عن حاجة المرأة للظهور على نحو مختلف وعدم قدرتها على الاكتفاء بإطلالة واحدة «سوداء» في ظل متطلبات الحياة.

يصاحب ذلك ثمة ادعاء أن إطلالة الرجل أكثر بساطة ويسراً من المرأة التي لم تعد قادرة على تكرار بعض قطع ملابسها على نحو لافت، فالعيون ترصد والكاميرات كذلك، لاسيما في عصر «Social media»، ما دعا للقول إن الرجل الخليجي لا تكلفه أناقته الكثير، إذ تتيح له ثقافة مجتمعه استهلاك «الثوب – الدشداشة – الكندورة» حتى يأذن لها الله بالتلف..!! وليس ثمة من يستشعر الفرق، لاسيما في مجتمع سعودي يلتزم بالثوب الأبيض والشماغ الأحمر كالـ «Uniforms» ويقاربه القطري بزيه الأبيض الموحد وعقاله المعروف، بينما يخرج قليلاً عن جمودهما البحريني والكويتي بألوان محدودة في الثياب وتنوع أكبر في الشماغات والغتر، ورغم أن «الكندورة» الإماراتية ومثلها في عمان، تزخر بفرص تنويع الألوان، إلا أن جميع تلك الملابس تميزها قصات معروفة تحددها ثقافة البلد وتفصيلات صغيرة متباينة ما يجعل من وجود بضع قطع في خزانة ملابس كل رجل كافية تماماً خلافاً للمرأة. هذا ما كان سائداً.. ولكن الرجل الخليجي لم يعد رجل الأمس الذي يكتفي بإطلالته الثابتة، فأصبح يخرج عن المألوف أو يكسر روتين زيه – على استحياء – من خلال حيل مبتكرة وضعها لنفسه، ما أتاح للسعودي ومثله البحريني والكويتي إضافة التطريز أو «الشد» طولياً على الصدر، وربما أتاح للبعض التنويع في بعض قصات الثياب وشكل الجيب بأساليب جديدة، واضطرار البعض لالتزام ارتداء قطع متنوعة من «الجاكيتات» أو «الصديري» وهو ما يتيح فرصة أكبر لتجديد الإطلالة باستمرار من خلال تجديد ألوان تلك القطع وأقمشتها.

ويقاس على ذلك كله التجديد في كافة تفصيلات الإطلالة من قصات الشعر وطرق ترتيب الحاجبين للجنسين، أو من طرق ترتيب اللحية والشنب للرجال. ولكن من السهل القول إن أغلب الرجال الخليجيين ليسوا ممن ركبوا هذه الموجة، ولم يملك كثير منهم جرأة الفكاك من أصوليته.

* اختلاج النبض:

هل يمكن القول إن إطلالة الرجل الخليجي أصبحت حالة ذهنية غير قادر على الخلاص منها، كما فعلت المرأة بإيقاع تمردي على الأصالة المجتمعية؟ وعندما يستمر بطء الرجل الخليجي في تكوين إطلالته الخاصة وتجديدها، وهو المتفرد بصناعة القرار السياسي في المنطقة، هل يمكننا تفسير انعكاس هذا على الحالة الأصولية التي تعيشها السياسة الخليجية؟!! ثم ماذا عن المرأة؟! فإن كانت أكثر جرأة في تنويع إطلالتها، أليس من الأرجح أن تكون الأجرأ في اتخاذ «إطلالات سياسية» جديدة تخرج المنطقة من أسلوبها الأصولي في التعاطي مع المتغيرات؟