يبدو أن تقسيم المنطقة برمتها أصبح مجرد وقت، فما أن تكتمل تجهيزات مراحل التقسيم حتى تجد الدول العربية والكثير من الدول الإسلامية نفسها ليست كما هي عليها الآن، ولأن التقسيم جاء عبر إرادة عالمية فلا أحد يستطيع الوقوف في وجه هذا التقسيم إلا ما رحم ربي، ولهذا فإن كل دول الإقليم تتهيأ بواقعية مع هذا الحدث الكبير الذي ينتظرها، فكل خرائط المنطقة الجديدة «المُقسمة» باتت جاهزة وسيُعلن عنها في حينها.

في أحد المقالات التي كتبناها قبل نحو سبعة أعوام أو يزيد أشرنا بكل وضوح إلى نوايا الغرب والشرق بتقسيم الشرق الأوسط إلى شرق أوسط جديد مغاير، وأن صلاحية اتفاقية «سايكس بيكو» انتهت حتى وصلت لمراحلها الختامية ولهذا فإن هناك اتفاقية جديدة في طريقها للتحقق الفعلي وحان وقت حصادها.

دولة السودان وقبل أعوام خلتْ وبسبب مشاكلها الداخليه وتخلخل بنيتها التحتية والفوقية والبينية وتهالكها كدولة عربية أفريقية ممزقة، دولة تحيط بها النزاعات والصراعات المسلحة والخوف والجوع ونقصٍ من الأموال والأنفس والثمرات كانت هي الضحية الأولى أو فلنقل بأنها «البروفة الأولى» لمشروع التقسيم الصريح لمنطقة الشرق الأوسط، فاستغل الغرب ضعف وتهالك هذه الدولة الفقيرة في الثروات والغنية بالنزاعات فقام بتقسيمها بالشكل الذي يتناسب ومصالحه فيها، ولأن العرب مشغولون بأنفسهم وبربيعهم بعد ذلك لم يلتفتوا نحو السودان، حتى نجح التقسيم ليكون بداية النهايات العربية. نحن الآن بانتظار ما ستسفر عنه صراعات واجتماعات الدول الكبرى وما ستفرزه من معطيات أكيدة قد تقودنا لتثبيت التقسيم وفق الأجندة الأمريكية الغربية من جهة والأجندة الروسية الصينية من جهة أخرى. إنها معركة صراع الإرادات وفرض القوة والهيمنة بين القوى العالمية لتحديد المركز الأول وصاحب الكلمة العليا للتقسيم، وما الصراعات الحالية في المنطقة إلا أحد أشكال الضغط من طرف جهات قوية ضد جهات قوية أخرى، فأذرع كل الدول العظمى تقاتل نيابة عن الكبار، أمَّا الشعوب فإنها لا تملك في ظل هذا المشهد الشرس سوى الإنتظار أو التفرج على ما ستؤول إليه الأمور، فالكُرَة وإن كانت في ملعبها أو بالقرب من مرماها إلا أنها لا تستطيع اللعب لأسباب خارجة عن إرادتها وأكبر من عزيمتها!

لا يتحقق التقسيم إلا بالفوضى الخلَّاقة وغير الخلَّاقة، فالمنطقة المستقرة لا يمكن لأحد أن يمسّها فضلاً أن يقسّمها، ولهذا فإن الفوضى الحالية هي مقدمة علمية وسياسية لنجاح عملية التقسيم وحجة كافية لتنفيذ المشروع الدولي الكبير المسمى «بالشرق الجديد»، فكل العالم اليوم يمد عنقه للمستقبل القريب رغبة منهُ أن يعرف مصيره وأين سيكون مكانه وجودهُ وما هو لون جواز سفره أو بأي أرض يموت حُلمهُ أو يحيا أمله الأخير.