هنا مثالان عن إيران من الداخل يفترض أنهما كافيان ليقتنع المهووسون بتجربتها الفاشلة بأن شيئاً لن يتغير فيها أياً كان الفريق الذي يتسلم مقاليد أمورها، فالقصة ليست قصة رئيس جديد يأتي أو رئيس قديم يستمر في عمله ولكنها في الوضع الخطأ الذي تعيشه هذه البلاد المؤذية لمواطنيها ولكل من يتقاسم الجغرافيا معها، الأول هو حالات الانتحار التي تعبر عن حجم الضرر النفسي الذي تسبب فيه الملالي منذ استيلائهم على السلطة، والثاني هو الإدمان على المخدرات.

قبل حين انتشر خبر عن مقتل طالبين في محافظة زنجان، لكن قائد قوات البحث والتحري الإيرانية نفى خبر القتل وأكد خبر وفاتهما وقال إنها كانت نتيجة لانتحارهما. الطالبان في السادسة عشرة من عمريهما ولم تعرف أسباب انتحارهما حتى قبل أيام، لكن – حسب المتابعين والعارفين بالظروف التي صار يعيشها الإيرانيون – فإن داء الانتحار في إيران غالباً هو «بسبب الأمراض النفسية أو الفشل في الحياة أو الظروف الاقتصادية والاجتماعية أو بسبب الإدمان». وحسب المتوفر من المعلومات فإن إيران «تحتل المركز الـ 120 بين 170 دولة على مستوى العالم من حيث حالات الانتحار، إذ بلغت خلال العام الماضي 4020 شخصاً»، وهو رقم مخيف حتى مع تأكيد السلطة هناك بأن حالات الانتحار «سجلت انخفاضاً بنسبة 1.8% مقارنة بالفترة نفسها من العام الذي قبله»، وحسب الإحصائيات التي وفرتها صحيفة «آرمان أمروز» فإن من انتحروا العام الماضي كانوا 2887 رجلاً و1133 امرأة.

أما فيما يخص موضوع الإدمان فإن الصحيفة نفسها كتبت قبل حين أن «رئيس هيئة الرعاية الاجتماعية في إيران أنوشيروان بندبي أشار إلى أن عدد المدمنين الذين يعالجون في مراكز المساعدة على الإقلاع عن الإدمان بلغ 12 ألف شخص، وأن 80% ممن يقلعون عن الإدمان يعودون له مرة أخرى» وأشار إلى أن هذا يعني أن هناك مشكلة في مراكز علاج الإدمان، لأن الرقم الدولي المعترف به فيما يخص الانتكاسة التي تصيب المتعالجين لا يزيد عن 35%. وتنسب الصحيفة إلى رئيس هيئة الرعاية الاجتماعية قوله إنه يوجد أكثر من 2000 مركز لمعالجة الإدمان على مستوى إيران، وأن الإحصائيات تشير إلى أن 70% من المدمنين هم من الآباء والأمهات، وأن نسبة الأطفال متعاطي المخدرات في إيران 9.7%.

بحسبة بسيطة يمكن القول إن نحو عشرة آلاف إيراني يموتون سنوياً بسبب الانتحار والإدمان على المخدرات فقط، وهذا يعني أن أمراً غير طبيعي يحدث في هذا البلد الذي للأسف يريد البعض هنا استيراد تجربته ويعتبره نموذجاً ومثالاً، فعندما يقدم مثل هذا العدد من المواطنين الإيرانيين سنوياً على الانتحار، وعندما يقدم عشرات الآلاف من المواطنين من مختلف الأعمار على تعاطي المخدرات، وعندما يتحول جزء كبير من هؤلاء إلى مدمنين لا ينفع معهم العلاج ولا يكفيهم هذا العدد الكبير من المراكز المخصصة للإفلات من الإدمان، عندما يكون هذا هو حال الناس في هذا البلد فإنه يعني باختصار أن النظام «الثوري» فشل وصار بدل أن يطور حياة المواطنين يهدمها ويدفعهم إلى الانتحار والإدمان بغية الهروب من واقع صعب وجدوا أنفسهم فيه ولم يعرفوا كيف يعملون على تغييره.

هذه هي إيران التي يعتبر البعض أن قيام الكتاب بفضحها إثم جزاء فاعله النار وبئس المصير ولا يريد إلا أن تذكر بخير ولا يريد إلا أن تمدح السلطة فيها ويعتبرها «المثال والنموذج»! حال الناس هناك هروب من واقع مر بالانتحار أملاً في حياة جديدة هي في كل الأحوال أحسن من الحال التي هم فيها، وإدمان على المخدرات لا يكفي للعلاج منه كل هذا العدد من المراكز المتخصصة.