أكد الباحث عبدالله نوري السليمان، أن المشرع البحريني يوفر الحماية القانونية للموظفين العمومين، وخصوصاً من الأفعال التي تشكل جريمة قذف بحقهم، ويهدف المشرع من هذا إلى حماية الوظيفة العامة من المساس بها، بالإضافة إلى حماية حق الموظف في الشرف والاعتبار.

وأشار في أطروحته "القذف بحق ذوي الصفة العمومية في التشريع البحريني.. دراسة مقارنة"، التي نال بها درجة الماجستير في القانون العام من جامعة البحرين، إلى أن جريمة القذف من بين الجرائم التي يتعرض لها الموظفون العموميون بصورة مستمرة ومتكررة. وتعتبر من أكثر الجرائم مساساً بشرف المجني عليه واعتباره.

وترتكب جريمة القذف إما بصورة تقليدية أو مستحدثة عن طريق وسائل التكنولوجيا والاتصال الحديثة التي ساهمت في تزايد ارتكاب تلك الجرائم. لذا دأبت التشريعات على توفير الحماية الجنائية للموظفين العموميين من القذف بحقهم من خلال تجريم القذف الواقع عليهم وتشديد العقاب على الجاني.


وتكمن أهمية الدراسة - كما يقول الباحث - في تسليط الضوء على موضوع حماية الموظف العام، الذي يشكل محوراً وركيزة أساسية تقوم عليها الوظيفة العامة. حيث تتطرق الدراسة للحماية الجنائية للوظيفة العامة والقائمين عليها وخصوصاً من الجرائم الماسة بالشرف والاعتبار، لكي يتمكن الموظف العام من القيام بواجباته بهدوء وطمأنينة، وذلك من خلال التعمق في أوجه الحماية المقررة لذوي الصفة العمومية وخصوصاً من القذف بحقهم، والبحث عن أوجه النقص والقصور واقتراح الحلول المناسبة.

ويضيف الباحث، أن موضوع الدراسة يعد من الدراسات الحديثة التي تتناول القذف بحق ذوي الصفة العمومية، مما سيسهم بالتالي بتزويد المكتبة القانونية العربية وخاصة في مملكة البحرين بالبحوث التي تتناول موضوع القذف بحق ذوي الصفة العمومية، إذ يلاحظ ندرة الدراسات المتخصصة في هذا الشأن في البحرين.

وأشار إلى أن الدراسة تقوم على منهج تحليلي مقارن، وتتركز المقارنة بين تشريعات كل من فرنسا ومصر والبحرين، وقد تم تقسيم الدراسة إلى أربعة فصول، الأول يتناول أساس التجريم بحق ذوي الصفة العمومية، ويتناول الفصل الثاني أركان جريمة قذف ذوي الصفة العمومية، بينما يبين الفصل الثالث وسائل ارتكاب جريمة القذف، أما الفصل الرابع فيتناول إباحة الطعن في أعمال ذوي الصفة العمومية.

وبيّن الباحث من خلال فصول الدراسة أن تشريعات الوظيفة العامة في كل من فرنسا ومصر لم تتضمن تعريفاً محدداً للموظف العام، وذلك بخلاف قانون الخدمة المدنية البحريني الذي بين ما هو المقصود بمصطلح الموظف العام. كما أن التشريع الجنائي في كل من فرنسا ومصر لم يبين ما هو المقصود بالموظف العام في مجال القانون الجنائي بشكل واضح ومحدد، أما المشرع البحريني فقد بين بنص واضح وصريح الفئات التي ينطبق عليها وصف الموظف العام في المسائل الجنائية، وذلك من خلال المادتان 107 و108 من قانون العقوبات.

ويشير الباحث إلى أن التشريعات محل الدراسة وإن كانت مختلفة في طريقة تحديد الموظفين العموميين إلا أنها متفقة على الأخذ بمفهوم واسع للموظف العام ولا تلتزم بالمفهوم الإداري للموظف العام في المسائل الجنائية.

ويوضح الباحث أن التشريعات تتفق على تجريم القذف بحق ذوي الصفة العمومية، سواء أُرتكب بالوسائل التقليدية أم بوسائل تقنية المعلومات، ويعاقب المشرع البحريني على جريمة القذف بالحبس الذي لا تزيد مدته على سنتين أو بالغرامة التي لا تجاوز مائتتي دينار، ويشدد العقاب على الجاني في حال ما إذا كان المجنى عليه موظفاً عاماً أو مكلف بخدمة عامة.

ويضيف أن الدراسة تطرقت لبيان أحكام القذف المرتكب عبر وسائل تقنية المعلومات ومدى تحقق عنصر العلانية في تلك الوسائل، والعقوبة المقررة لجريمة القذف المرتكبة عبر وسائل تقنية المعلومات ومدى كفاية العقوبة.

وتطرقت الدراسة للطعن في أعمال ذوي الصفة العمومية كأحد أسباب إباحة القذف، فالتشريعات المقارنة ومنها المشرع البحريني يبيح القذف بحق الموظف العام إذا كان القصد منه تحقيق المصلحة العامة بشرط توافر الشروط الآتية مجتمعة، وهي: أن يوجه القذف إلى موظف عام أو من في حكمه، وأن يكون موضوع القذف متعلقاً بأعمال الوظيفة، وأن يكون القاذف حسن النية، وأن يقوم بإثبات الوقائع التي نسبها للموظف العام.

ويبين الباحث في ختام الدراسة أنه قدم عدداً من التوصيات أملاً من المشرع البحريني الأخذ بها قدر الإمكان، حيث يوصي بأن يتم تعريف الموظف العام في قانون الخدمة المدنية البحريني بأنه: هو الشخص المعين قانوناً في وظيفة دائمة وبصورة دائمة، للعمل في خدمة مرفق عام تديره الدولة، أو أحد أشخاص القانون العام.

كما يوصي المشرع البحريني بتشديد العقاب على القذف المرتكب عبر وسائل تقنية المعلومات، من خلال تعديل الفقرة الأخيرة من المادة 364 من قانون العقوبات لتصبح "إذا وقع القذف بطريق النشر في إحدى الصحف أو المطبوعات أو وسائل تقنية المعلومات عُدّ ذلك ظرفاً مشدداً"، أو إضافة نص يشدد العقاب على تلك الأفعال في قانون تقنية المعلومات. ويبرر ذلك بأن انتشار وسائل تقنية المعلومات سهل ارتكاب جرائم القذف، واستهانة المعتدين بشرف واعتبار المجنى عليهم، الأمر الذي أدى إلى زيادة ارتكاب تلك الجرائم عبر وسائل تقنية المعلومات.

ويرى الباحث أنه من الأفضل لو يستثني المشرع البحريني القذف بحق الموظف العام من قيد تحريك الدعوى الجنائية بشكوى من المجنى عليه المنصوص عليه في المادة 9 من قانون الاجراءات الجنائية. وذلك بأن يجيز اتخاذ إجراءات التحقيق دون حاجة لشكوى من الموظف العام، ذلك أن الموظف سيحاول التملص من المساءلة ولا يقدم على تقديم الشكوى، لأنه في حال تمكن القاذف من إثبات الواقعة سيكون الموظف محلاً للمساءلة الجنائية.

ويوصي الباحث أيضاً بإضافة مادة لقانون الإجراءات الجنائية البحريني، يبين من خلالها الإجراءات القانونية الواجب اتباعها عند إثبات صحة وقائع القذف في جريمة قذف ذوي الصفة العمومية، وتحديد المدة التي يجب خلالها على القاذف أن يقدم الدليل على صحة وقائع القذف، وإلا سقط حقه في إقامة الدليل، ويرى أن تحديدها بمدة خمسة أيام تعتبر مدة كافية وتتناسب مع طبيعة الجريمة، بالإضافة لذلك أن يتم النص على مدة أخرى يلتزم خلالها المجنى عليه بتقديم الرد على ما يقدمه القاذف من أدلة، وذلك تفادياً للمماطلة وإطالة أمد المحاكمة.

وتألفت لجنة المناقشة التي عقدت بمدرج كلية الحقوق بالصخير من الأستاذ د.عبدالسلام بنحدو "ممتحناً داخلياً"، ود. عمر الحديثي "ممتحناً خارجياً" والمشرف على الأطروحة د.سعيد حسب الله.