البحرين الولادة للفنانين والفنيين، بشهادة شريحة كبيرة من فناني الدول المجاورة، بأن للفنان البحريني نكهة خاصة، أتمنى أن أكون مخطئاً -وإن كنت مخطئاً صوبوني- مواسم ممطرة على عالم الفن البحريني.. أنبتت العديد من المواهب وأثمرت بنجاحات عدة وفي مجالات فنية متعددة، تمثلت في أغانٍ رسمت ملامح ماضي الأغنية البحرينية ورسختها وهي اليوم أصبحت إرثاً يغنيه المواطن في الأعياد والمناسبات الوطنية، كذلك هذه الأرض أنبتت شعراء وكتاباً يحتفى بهم في المحافل الدولية، وأنبتت مسرحيات كلاسيكية بحرينية رائعة تجلى فيها مسرح أوال، وجائزة في مهرجان دولي مرموق حصدها كادر مسرحي بحريني هو الأستاذ عبدالله السعداوي وقد كرم قبل فترة وجيزة من قبل مهرجان المسرح العربي الذي تنظمه وزارة الثقافة في مصر، هذه الأرض أنبتت فنيين كانوا يطلبون للعمل في دول مجاورة نظراً للكفاءة والمهنية العالية التي يمتلكونها، كما أنبتت ممثلين وممثلات وأنتجت مسلسلات كلاسيكية لن نختزلها في «سعدون» أو «نيران» ولكننا نستحضر هذه الحقبة نظراً لنجاحها.

شكلت هذه الأرض بيئة خصبة استطاعت أن تستقطب منتجين من دول مجاورة يأتون للعمل هنا نظراً لتوافر كافة الاحتياجات، مما خلق فرص عمل وكوادر جديدة يتملكها شغف العمل في هذا المجال نظراً لما كانت تراه وتلتمسه من أفق جميل ومستقبل مشرق.

هذه الأرض.. أرض الخلود، الأرض السباقة في مجالاتها.

الآن تعيش على أمجاد ذلك الماضي الفني، ذلك الماضي المعزوف على ألحان خالد الشيخ وصوت محمد علي عبدالله وإبراهيم حبيب وشجن علي بحر وغيرهم من مبدعي هذه الأرض، هنالك حقبة فلنسمها حقبة، «مواسم المطر»، هي التي ولدت بحراً من كبار فنانيي اليوم وولدت الجيل الذي يليه من فنيين وفنانين.

ومازال الفنان البحريني يركب تلك الأمواج المتلاطمة على شاطئ أحلامه لعله يصل إلى تلك الضفة، الضفة التي تمكنه من أن يبلغ أرض الخلود العائمة، أرض الأحلام تلك ربما لا يوجد بها رفاهية ولا يوجد بها صرح كبير أو تمثال نصب تخليداً لفنان، ولا مسرح مجهز بكافة الإمكانيات المتطورة، ولا كاميرات وأستوديوهات تواكب التطور المتسارع من حولنا.

فالفنان يريد أن يعيش شغفه ويشبع تلك الرغبة الجامحة بداخله، رغبة في الإبداع وخوض غمار تجربة جديدة قد تؤتي أكلها عند نجاح التجربة، ونجاح التجربة هنا يكون مقياسه الجمهور وليس لجنة للتحكيم أو للتقييم.

جفت عين عذاري.. وفقدنا مورداً من موارد المياه، وجفت آبار المياه المتناثرة وشحت الأعمال وانعدمت فرص العمل وحول الآخرون اتجاهاتهم نحو مسارات مختلفة واكتفوا بجملة، «لا مجال للفن هنا»، واقتصرت الفرص على شيء بالكاد يدير عجلة الفن المتذمر والمتململ واليائس، وضع يرسم البؤس بجلوس الفنانين في شرفة مهترئة تطل على الأوساط الفنية بالدول المجاورة تراقب أعمالهم ونجاحاتهم وتترقب وتمني النفس أن تشاركهم ولو بالقليل أو أن تكون جزءاً من مشروعاتهم القادمة. ليس لوضعهم المثالي هناك بل لانعدام كل شيء هنا.

تغيب الشمس عن هذه الشرفة، وتشرق، ولا شيء سوى التذمر ومجموعة أحلام «مرمية» على الطاولة تناقش فيها الجالسون بالشرفة، أحلام جميعها ليست على واقع هذه الأرض، أحلام مهاجرة كهجرة بعض المخرجين البحرينيين العاملين في الخارج، وهم ذاتهم المخرجون الذين كانوا هنا بالأمس ولكنهم يهاجرون في مواسم الهجرة كالطيور، إذ إنه وفي هذه الأوقات من السنة إن لم يعملوا، فلن يعملوا، وينتهي الموسم دون أي عمل.

يفتح الجالسون على الشرفة شاشة التلفاز ويشاهدون مسلسلاً ناجحاً من قبل مخرج بحريني ناجح، بينما بقي كل شيء هنا على ما هو عليه. فبقي في عين المشاهد «جمعان الرويعي هو سعدون، وسلوى بخيت هي أم هلال، وعلي الغرير هو الركي، إلى أن أتى طفاش وحرك المياه الراكدة فتحول الركي إلى طفاش وأصبح خليل الرميثي جسوم ونجح المخرج والمنتج بعد أن كاد الفشل يكون حليفه لولا أن نال المسلسل إعجاب محطة أخرى، غير بحرينية». الجدير بالذكر أن هذا المسلسل رفض من قبل لجنة ثم نجح هذا النجاح الباهر، وأصبح هنالك أجزاء ثم فيلم وفيلم آخر، وأخذت الرحى تدور وتطحن، حتى بلغ هذا النجاح آخره وهي خطوة موفقة وإضافة للدراما البحرينية. وللحديث بقية.