وقفت الأمور هنا، بعد أن كان هنالك سحب ماطرة تمثلت في مسلسل تراثي اسمه برايحنا، بعث الانتعاش في كل الجالسين على الشرفة وبلل عروق الظمأ، هو ذاته الظمأ الذي أظمأ نخيل قرية المالكية «المحروقة»، وهطل الماء وازدهرت أرض الإنتاج بمسلسل البطران وكومار «لم يروا النور بعد»، ثم مسلسل تراثي آخر باسم أهل الدار ثم مسلسل آخر تراثي أيضاً بعنوان حزاوينا خليجية، وتلاشت الغيوم.

هنالك تقنية تسمى استمطار السحب، هذه التقنية لا تصنع المطر ولكنها تحفز السحب على الاستمطار وذلك عن طريق تقنية بسيطة وليست معقدة.

هذه التقنية لها كلفة وليست لها ضمانات ولكنها محاولة قد تبوء بالنجاح، ونجاحها سيزيد من فرص كمية المطر المتساقط، الماء أساس الحياة في كل مكان والمحافظة على الموارد واستدامتها وتعددها شيء أهم.

هذه التقنية تم إدراجها في دولة مجاورة ضمن استراتيجية الدولة ذاتها، وأعتقد أن ما يفتقده الوسط الفني والإعلامي هو غياب تلك الاستراتيجية بل وغياب الأيديولوجيا ذاتها.

إن اللجوء إلى فني من الخارج للقيام بعمل ما -من وجهة نظري- هو ليس فقط فقدان الثقة بالفني المحلي، بل هو عدم وجود تكافؤ بين الطرفين، «يقام تصوير فيلم ترويجي سياحي عن البحرين بكوادر فنية غير بحرينية في هذه الفترة»، ليس احتجاجاً بل مجرد سؤال وإجابة عليه في آن.

فالفني بالخارج تصقل موهبته من التجارب التي يمر بها، والدراسات المتاحة في الأكاديميات والجامعات وورش العمل وللاستفادة من قدماء المحاربين في المجال، وخطة تضعها الجهات المعنية لتنشئة جيل جديد يواكب التطور ويطمح للأفضل ويستلم الراية ويرث الجيل الذي قبله ويكمل المشوار.

هذا الإرث الذي سينتهي طالما أنه لا يتجدد، سيجف كما جفت عذاري.. وكما جفت مصائد الأسماك بسبب الصيد الجائر قبل أن تسن قوانين تمنع وتحمي هذه الموارد.

لا شيء يلوح فالأفق غير النهايات، فالسفن المبحرة في بحور الفن، هي الآن بلا شراع وبلا سواعد تشمر عن نفسها وتمسك مجاديف الأمل، إنها بالكاد تطفو وسيداهمها الغرق لا محالة.. لكنها تتشبث بعود من مخلفات سفن أهلكتها الحرب الضروس الدائرة على مدى سنوات بين طرفين أحدهما خفي لا شكل له، لا شكل إطلاقاً سوى عدو وهمي يحارب النجاح ويمنعه بشتى الطرق ويستخدم أي شيء ليكسر رباطة جأش الطرف الآخر.

فأعمدة الفن البحريني تتقدم في العمر دون أن تقدم إرثها لجيل جديد يستلم الراية منهم ويسلمها للذي يليه، هكذا تدور عجلة التطور «في اعتقادي».

وهكذا تتهاوى صواري تلك الأشرعة التي تبحر في بحور الفن بشتى أنواعه وتغرق، لتطفو جيف الفن وتلتهمها نوارس الحرب.

حرب ضروس تشتعل مع الوقت، ونار تسعر، وتشتعل في كل معسكراتها وأقطابها، وتجبر العاملين بالمجال الفني على التفكير بالرحيل، بل الهرب واللجوء كنازح يبحث عن بصيص أمل في بيئة أفضل -وعلى سبيل المثال وليس الحصر- الأستاذ إبراهيم حبيب.. خاض غمار هذه الحرب وعاصر جوالاتها وصال وجال وأتى به الحنين إلى أرض الخلود لعلها تضمد جراحه وتمسح ندوبها وتوقف نزيف الغربة عن الوطن، صال وجال وانتهى به مطاف الحرب إلى اتفاقية لم يقبل بها كتسوية للجولة الأخيرة من الحرب.

حرب زرعت الألغام وأحرقت خرائط العودة ولا سبيل سوى العبور بأطراف متقطعة وأشلاء متناثرة في جحيم الفن، خسارة أخرى تضاف إلى رصيد الخسائر الجمة وتغيب نخلة بازغة لم تستطع أن تقاوم ظمأ الصحراء.

وغداً تغيب تلك الشمس الساطعة في سماء الفن، وتتحول إلى شمعة لم يبقَ في فتيلها سوى ومضات أخيرة وأنفاس تلفظ وصاياها دون جدوى على ذات الشرفة المهترئة.

لا يوجد حل سوى التفكير باللجوء، إذ إن الساحة هنا لم تقدم أي حلول، ولا تملك خرائط لتحويل الشباب الهاوي إلى مبدع ينافس ويساهم في رسم مستقبل مشرق، هذه الساحة لم تستطع أن تعبد الطريق وتحول مسار الشباب الهاوي إلى طريق النجاح، بل أرسلته للهاوية، رمضان هذه السنة بلا دراما بحرينية، رغم وجود مسلسل جاهز ويحتوي على أسماء لامعة في الدراما البحرينية ويحتوي على نجوم من دول أخرى، وأشاد به العاملون فيه وكل من شاهد منه مقتطفات وكل من استغرب على عدم دعم هذا المنتج!!

الموارد إن لم يتم الحفاظ عليها ستموت، حتماً ستموت تاركةً وراءها مخلفات تلك الحرب، بين الفن والرحى كانت هذه القصة.