لم يكن يدور بخلد أهل «اليمن السعيد» وهم يثورون على حكم الطاغية علي عبدالله صالح لخلعه من الحكم، أنهم سيبتلون بحكم المتمردين الحوثيين، وتتوالى النكبات على «البلد الذي كان سعيداً» ليتحول إلى «اليمن التعيس»، مع انهيار مؤسسات الدولة، الواحدة تلو الأخرى، ولعل آخرها منظومة المؤسسات الصحية، ما أدى إلى تفشي وباء الكوليرا القاتل في العاصمة صنعاء، وزحفه نحو بقية المدن اليمنية ليحصد مزيداً من ضحاياه خاصة الأطفال، في ظل حكم الحوثي.

ولم يكن تفشي وباء الكوليرا في اليمن وتحديداً في العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها ميليشيات المتمردين الحوثيين وقوات الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح إلا نتيجة طبيعية ومنطقية لإحدى أكبر الكوارث التي خلفها الانقلاب الحوثي على الشرعية في اليمن.

ورغم إعلان المتمردين -المدعومين من إيران- في وقت سابق «العاصمة صنعاء منكوبة نتيجة تفشي مرض الكوليرا بشكل وبائي وتوجيههم نداء استغاثة ومناشدة عاجلة للعالم والضمير الإنساني وكل المنظمات الإنسانية الدولية لتلبية الاحتياجات الصحية الوقائية والعلاجية لمنع انتشار الوباء»، إلا أنه يبدو أن نداء الاستغاثة لم يحرك ضمائر ومشاعر المسؤولين الإيرانيين وعلى رأسهم المرشد علي خامنئي، كما أنه لم يلقَ آذاناً صاغية لدى الميليشيات المسلحة في العراق ولبنان لنجدة أنصارهم في اليمن. وكالعادة، أينما حلت إيران، الداعمة للمتمردين، حل الخراب والفشل والدمار، فلم تسارع إلى الاستجابة لنداءات الانقلابيين. في المقابل جاءت الاستجابة العاجلة للنداءات الدولية من المملكة العربية السعودية، حيث وجه خادم الحرمين الشريفين العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود من خلال مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية بمكافحة الوباء واحتوائه في اليمن، بعدما أعلنت منظمة الأمم المتحدة للطفولة «يونيسف» أن الوباء الذي يجتاح البلاد تسبب في وفاة 209 أشخاص بينما يشتبه بإصابة أكثر من 17 ألف شخص بالمرض، فيما تزداد الحالات المشتبه بإصابتها بالوباء لنحو 3 آلاف حالة يومياً، في ظل انهيار النظام الصحي في البلاد نتيجة الحرب التي تسبب فيها المتمردون على الشرعية.

وهي المرة الثانية التي ينتشر فيها الكوليرا خلال أقل من عام في اليمن، حيث تسبب الوباء بين أكتوبر 2016 ومارس 2017 بوفاة 145 شخصاً. وقد أدى انقلاب المتمردين على الشرعية في اليمن إلى تدهور كبير في منظومة الأمن الغذائي حيث أصبح نحو 19 مليون شخص من بين 27 مليوناً بحاجة إلى مساعدة غذائية عاجلة، بينهم 7 ملايين يواجهون خطر المجاعة، كما أدى النزاع إلى إلحاق الضرر وتدمير المنشآت الصحية التي لم تعد قادرة على استيعاب المرضى، فيما تصر إيران على دعم المتمردين بالسلاح وإشعال فتيل الحرب في البلاد.

وتبدو الاستغاثات التي يطلقها المتمردون دليلاً واضحاً على فشلهم في كيفية إدارة الحكم في اليمن، فقد سبق تفشي وباء الكوليرا تراكم النفايات وتكدس القمامة في العاصمة صنعاء نتيجة إضراب نحو 3200 عامل وموظف من العاملين في قطاع النظافة التابع للبلديات لعدم حصولهم على رواتبهم للشهر الثالث على التوالي -رغم أنهم يعملون 16 ساعة يومياً حتى في أيام الإجازات- بسبب الفساد المستشري في المؤسسات التي يسيطر عليها الانقلابيون.

أما ما يستدعي التوقف عنده طويلاً تلك التصريحات التي أطلقها المرشد الإيراني حينما زعم أن «هناك حكاماً غير أكفاء يعملون خلافاً لهذا القرآن، (....) والأموال التي كان يجب أن ينفقوها في تطوير الوضع المعيشي لشعوبهم، يقومون بإعطائها للكفار وأعداء هذه الشعوب». وكأن مرشد إيران يمارس الإسقاط السياسي، فهو يلوم دولاً ترعى شعوبها، بينما لم يصله الخبر الذي كشفته صحيفة «شهروند» الإيرانية، من أن عشرات الإيرانيين يتسولون في شوارع طهران بالنهار ويبيتون داخل القبور بالليل، بسبب الفقر والتشرد، في الوقت الذي يمول فيه نظام الملالي في طهران عشرات الميليشيات الأجنبية بهدف الدفاع عن نظام بشار الأسد في سوريا، وميليشيات «الحشد الشعبي» في العراق، و«حزب الله» في لبنان، والمتمردين الحوثيين في اليمن.

* وقفة:

ما تقوم به السعودية وما تقدمه لليمنيين ليس غريباً على المملكة، فالفارق الجوهري بين السعودية وإيران أن الأولى تعمر والثانية تدمر!