الولايات المتحدة الأمريكية بترامب أو بغيره هي من أوقف وتخلى عن مشروع «إسقاط الأنظمة العربية» وليس ترامب كشخص، فريق ترامب وإدارته قادم وبقوة لكشف خبايا المشروع القديم من أجل الإسراع في وقفه ووقف تداعياته، فهو فريق يتمتع بخبرة طويلة في الشرق الأوسط، وزير الدفاع جيمس ماتيس أو وزير الخارجية ريكس تيلرسون أو مستشار الأمن القومي ماكماستر، جميعهم كانوا معارضين للمشروع طوال فترة أوباما، جميعهم قدموا تقارير تثبت أن إيران راعية للتنظيمات الإرهابية، لكنهم كانوا مهمشين ولم تصغِ إدارة أوباما لهم، هذا ما قيل في الندوة التي عقدتها لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس الأمريكي يوم الثلاثاء الماضي، لذا فإن تعويل إيران أو تعويل محورها على عودة الروح للمشروع القديم لأن هناك معارضين «لترامب» كشخص، يغفلون حقيقة أن فريق ترامب ليس مستجداً مثله على الساحة السياسية، بل هو فريق مخضرم آتٍ من خضم العمل الميداني في الشرق الأوسط، فريق يحمل مشروع إعادة دور الولايات المتحدة الأمريكية كلاعب أساس في استقرار الشرق الأوسط، فريق يحمل مشروع له مناصرون كثر حتى من الحزب الديمقراطي، والدليل تلك الأغلبية التي يحصلون عليها الآن في الكونغرس الأمريكي حين التصويت على أي من القرارات المتعلقة بالسياسة الخارجية.

التوجه الجديد للسياسة الأمريكية إذاً واقع لا يمكن إنكاره، ولا يمكن حصره في شخصية ترامب، التوجه الجديد قادم بإعصار لأنه ظل يحمل هذا المشروع طوال 8 سنوات دون أن يجد الفرصة لوضعه موضع التنفيذ، ويزيد من سرعته وحراكه أكثر مما كنا نظن، خاصة أو الفريق الجديد يشن حملة شعارها مسؤولية الإدارة السابقة عن تمدد الإرهاب ووصوله إلى عقر دارهم فيجد صدى لدى بيوت القرار والوكالات الأمريكية بل حتى لدى الشارع الأمريكي المعارض لترامب كشخص.

الجميع متفق على أن للسياسة الخارجية الأمريكية السابقة يداً في تراجع الدور الأمريكي والتهاون في القضاء على الإرهاب، لذا فإن السياسة الخارجية الأمريكية الجديدة وسياسة الدفاع عن الأمن القومي الأمريكي الجديدة لها مناصروها خارج الدائرة الضيقة لترامب، الكل متفق أنه لم تكن لتستقيم الحرب على الإرهاب كمهمة ومشروع، إلى جانب دعم الولايات المتحدة الأمريكية للجماعات الدينية -شيعية كانت أو سنية- الساعية لإسقاط الأنظمة العربية، ولا يمكن أن نسعى بشكل جدي لاستقرار منطقة الشرق الأوسط دون ردع إيران، فالاثنان صنوان إيران والتنظيمات الإرهابية.

هذا ما اتفقت عليه الإدارة الأمريكية الحالية وهي مدعومة من الكونغرس الأمريكي، وهذا ما تعمل إدارة ترامب على ترسيخه داخل أروقة القرار الأمريكي، وما الندوة الأخيرة إلا واحدة من سلسلة أنشطة تقوم بها الإدارة ومناصروها، ثم جاءت قمة الرياض لتؤكد عليها.

إذاً هذا هو اتجاه دول مجلس التعاون والدول العربية، هذه هي سياسة الولايات المتحدة الأمريكية وتقف معنا دول أوروبا الغربية.

من لا يقرأ هذا التحول ومن لا يفهم هذا المتغير ومن لم يستوعب هذه المستجدات فإنه لا يسير عكس الاتجاه فحسب، بل إنه سيصطف ضد محور أمريكي عربي أوروبي غير متردد، وجاد في استئصال أذرع المحور القديم التي ما كانت لتتمدد لولا دعم الإدارة الأمريكية السابقة.

البعض أدرك هذا التحول وقفز من المركب الإيراني مبكراً، وبعض قيادات الجماعات الدينية تبحث لها الآن عن مخارج جديدة وتحاول تبديل جلدها، فكلهم يعلمون أن الإعصار قادم، وكلما أدركت هذا التحول مبكراً كلما قلت خسائرك، أما الانتحار السياسي فهو الذي يعلن عن انضمامه لهذا المحور الآن!!